ابراهيم منيمنة الأول بين النواب التغييريين في لبنان بـ13281 صوتاً... "البيارتة" رافعة دولة المواطنة والانتماء الوطني

التحري | فتات عياد | Thursday, May 19, 2022 5:31:53 PM
فتات عياد


فتات عياد-التحري

أعاد أهالي بيروت لمدينتهم هيبتها في الاستحقاق الانتخابي الذي أتى بعد الانهيار الاقتصادي وانفجار 4 آب الذي دمر ثلث المدينة، فتوجوا ثورة 17 تشرين، بخيارهم الصارم بـ"التغيير"، وأعطوا لائحة بيروت التغيير 32823 ألف صوت بثلاثة حواصل انتخابية، فيما عبّرت بيروت عن خيار أهلها بالدولة المدنية بوضوح خيارها السياسي، عبر تتويج النائب ابراهيم منيمنة السني الأول في بيروت، والنائب التغييري الحائز على أعلى عدد من الأصوات التفضيلية بأكثرية 13281 ألف صوت، وذلك على الرغم من المال الانتخابي الذي صرف في العاصمة، وعلى الرغم من الهجمة الدينية التي استهدفت لائحة "بيروت التغيير"، وعلى الرغم من الدعوة لـ"المقاطعة السنية"، وعلى الرغم كذلك من قانون الانتخابات الذي فصل على قياس الاحزاب.
والحملة التي شُنّت على ابراهيم دوناً عن غيره قبل أيام من الاستحقاق الانتخابي، تصدى لها أهالي بيروت بخيارهم بالدولة المدنية التي يحملها منيمنة في برنامجه الانتخابي وطروحاته السياسية. ولعلّ أولى الاصلاحات السياسية التي يسعى إليها منيمنة وهي "إلغاء الطائفية السياسية" توضح سبب الهجمة عليه دوناً عن غيره، لا بل أنّ تفوقه بالأصوات التفضيلية في كتلة النواب التغييريين، تعني أن أهل بيروت كانوا مدماكاً للتغيير على مستوى لبنان، لا بل أنهم وضعوا بخيارهم هذا أسس التغيير الجذري نحو دولة المواطنة، عبر تغليبهم الانتماء الوطني على الانتماءات الطائفية والفئوية الضيقة.

البيارتة يحسمون خيارهم

وخاض منيمنة أولى معاركه السياسية بوجه المنظومة منذ العام 2016، يوم ترأس لائحة "بيروت مدينتي" في الانتخابات البلدية، والتي نالت 40% من الأصوات، وعبّرت عن تغير في المزاج الشعبي البيروتي بوجه أحزاب السلطة، ليترشح عام 2018 على لائحة "كلنا بيروت" يوم كانت الأحزاب تتحدث عن الـ900 ألف وظيفة و"العهد القوي". ومع هذا، حصدت لائحته يومها حوالي نصف حاصل انتخابي.

عام 2022، ومع عزوف زعيم تيار المستقبل، الرئيس سعد الحريري عن الترشح، طوى المجتمع البيروتي صفحة الزعامة، ووجّه صفعة كبيرة للائحة "وحدة بيروت" للثنائي الشيعي حركة أمل وحزب الله، والذي اراد ملأ الشغور وإحكام قبضته على المدينة، التي قالت له "لا" بالحبر الانتخابي الذي غطّى أصابع أبنائها، فلبى عشرات الآلاف الدعوة للتصويت، ليحافظ الثنائي على مقاعد النواب الشيعة (أمين شري عن حزب الله، ومحمد خواجه عن حركة أمل)، ويذهب المقعد الإنجيلي لحليفه التيار الوطني الحر (النائب ادغار طرابلسي)، ويفوز حليفهم عدنان طرابلسي على لائحة "لبيروت" التابعة للمشاريع، ويحافظوا بذلك على تمثيلهم دونما أدنى زيادة مباشرة على حصتهم من المقاعد البيروتية عن العام 2018.

وفيما المال الانتخابي جاء فوز أصحابه هزيلاً، فإنّ تحريض المراجع الدينية والاسلام السياسي وبعض -خطباء يوم الجمعة- الأخير قبل الانتخابات على الخيار المدني، وتنامي لغة "الحفاظ على هوية بيروت المحافظة"... لم تنل جميعها من إرادة البيارتة بالتغيير والمحاسبة، لا بل أن خيارهم للدولة المدنية كان "ساطعاً".

المشروع... وحامل المشروع

وبالأرقام، حصد عن المقاعد السنية بعد منيمنة: النائب فؤاد مخزومي 10021 صوتا، يليه عدنان طرابلسي عن جمعية المشاريع 8463 صوتاً، يليه عماد الحوت 7362 صوتا، نبيل بدر 5631 صوتا ووضاح الصادق 3760 صوتا. والجدير ذكره ان لائحة فؤاد السنيورة والتي ذهب حاصلها للمقعد الدرزي والنائب فيصل الصايغ، فقد حصد عنها النائب الخاسر خالد قباني 3433 صوتاً.
وفي بيروت الثانية حيث يشكل السّنة 60.98 بالمئة من أصل 353414 ناخب بيروت، وفي بعض الأقلام حيث الأصوات السنية، حاز الفائز عن المقعد الأورثوذكسي ملحم خلف، وكذلك المرشحة عن المقعد الإنجيلي نهاد يزبك ضومط والمرشح علي عباس، وغيرهم.. على قسم من الأصوات التفضيلية لصالح لائحة بيروت التغيير. كما أنه وفي الأقلام حيث الطوائف الأخرى، هناك من صوتوا للائحة بيروت التغيير، ومنحوا ابراهيم منيمنة صوتهم التفضيلي، ومن بين هؤلاء شيعة لم تثنهم سياسة "الترغيب والترهيب" التي يتبعها الثنائي الشيعي، عن التصويت للتغيير.
وهذا إن دلّ على شيء، فعلى أنّ البيارتة على اختلاف طوائفهم، أولئك الذين جمعتهم إرادة التغيير، لم يتقيدوا بمذهبهم لدى اختيارهم صوتهم التفضيلي، بل كان المشروع حيناً، والمسار النضالي للشخصية أحياناً، عاملاً أساسياً في حسم خياراتهم، ما يعني ارتفاع نزعة "المواطنة" لدى الناخبين في خياراتهم، والتي تعتبر أرضاً صلبة لدولة المواطنة، ودوماً على حساب النزعات الطائفية والمذهبية والمحاصصة التي نمت فيها الدويلات، على حساب دولة المواطنة.

مقاطعة المقاطعة

وأتى الإقبال الانتخابي لا سيما لدى سنة بيروت على عكس دعوات المقاطعة تماماً، حيث ارتفعت نسبة الحاصل الانتخابي 3% جراء الإقبال الكثيف على التصويت. وبعيداً عن "بركة المياه" في الطريق الجديدة، التي قاطع "سباحوها" الانتخابات، فإن البيارتة تحرروا من عباءة الزعامة والتبعية، ولم يصوتوا "عقابياً" وحسب كما حصل في البيئة المسيحية حيث تراجع التيار الوطني لصالح القوات اللبنانية، لا بل أنهم صوتوا كذلك للتغيير، وللمشروع الذي يحمله.

وكان لبنانيو الاغتراب الذين خاضوا انتخاباتهم قبل أسبوع، رافعة هذا "التغيير" التي حرّكت المياه الراكدة، فهؤلاء الذين هجّرتهم المنظومة، أرادوا الثأر وانقاذ بلادهم من المنظومة الحاكمة، ومارسوا الضغط الإيجابي على أهلهم المقيمين، عبر إقناعهم بأنه "حان وقت التغيير" وتغيير النهج السائد.
"جوجل" البيارتة خياراتهم، وتشاوروا فيما بينهم لاختيار الأفضل لهم لتمثيلهم في البرلمان. وفيما كان المال الانتخابي يشتري الصوت الانتخابي لدى بعض اللوائح، وفيما كانت الاعلانات والصور تجتاح العاصمة، كان ابراهيم منيمنة حاملاً مشروع حملة "بيروت تقاوم" الانتخابي ومعه المرشحة عن المقعد الانجيلي نهاد يزبك ضومط والمرشحة عن المقعد السني سماح حلواني، يجولون في الأزقة والشوارع، يتعرفون على الناخبين ويعرفونهم على البرنامج الانتخابي الذي يتبنونه، ويناقشون الطروحات وحاجات المدينة وأهلها.
لم يغر أهل بيروت المال الانتخابي، ولا التزمت الديني الذي عمل عليه المرشحون المنتمون لتيارات إسلامية في المدينة واستفادت منه لوائح تدّعي حصر تمثيلها لـ"الهوية البيروتية"، ولا حتى هجمة مشايخ دار الفتوى على الزواج المدني، المعترف به من قبل الدولة "دون جميلة أحد"، أثّرت على توق أهل المدينة للتغيير.
كما لم تصبّ أصوات البيارتة بكثافة لدى لوائح وراثة بقايا المستقبل، ما يقفل الباب على مقولة أنه "لو كان سعد الحريري مرشحاً، لما حصل التغيير". إذ من المرجح أنه كان ليحصد الأصوات المشتتة على لوائح ورثته السياسيين، ليس إلا، ولم يكن ترشحه ليؤثر أو يمنع ارادة التغيير لدى البيارتة.

لاستعادة دور بيروت

يحمل ابراهيم منيمنة مشروعاً انتخابياً واضح المعالم تبنته شبكة مدى وحملته الحملة الانتخابية التي رشحت ابراهيم وهي "بيروت تقاوم".
وبيروت تقاوم "الطائفية السياسية" و"السياسات المصرفية" و"السلاح غير الشرعي" الذي يكرس الدويلة. وهي تقاومهم من منطلق الدولة التي تساوي بين مواطنيها من خلال العدالة الاجتماعية وشبكة الأمان الاجتماعي، وتقاومهم من خلال انحيازها للناس وحقوقهم، وحتى السلاح، هي تقاومه من منطلقات وطنية، غير فئوية، أي من منطلق الدولة ومؤسساتها، وليس من منطلق دويلة بوجه دويلة.

منيمنة يلتقي ناخبيه

ومنيمنة، من النواب التغييريين الذين لا يساومون في حقوق المودعين، وكذلك من الرافضين لتحميل أملاك الدولة -وهي ملك للشعب- مسؤولية الانهيار الذي تسببت به المصارف وسياسات مصرف لبنان والطبقة السياسية التي شبّكت مع المصرفيين وجمعتهم مصالح مشتركة.
"بيع أصول الدولة" هو عنوان المرحلة المقبلة بهدف منع المحاسبة عمن هدروا المال العام ووضعوا وساهموا وغطوا على سياسات حاكم مصرف لبنان المالية. من هنا الهجمة على منيمنة وكل نائب تغييري ينحاز للناس وحقوقهم، وهي هجمة ستستمر إلى ما بعد وصول منيمنة نائبا عن بيروت وكل لبنان.
من هنا، دعا منيمنة "لحالة شعبية في المدينة، تكون رافعة النواب التغييريين في المجلس النيابي". لاستعادة "دور بيروت"، وها هو يستأنفها بلقاء غدا الجمعة 19 أيار مع الناخبين في مركز الحملة في كليمنصو.
في السياق، يقول كريم صفي الدين، أحد منسقي حملة بيروت تقاوم، "هناك حاجة لخلق حالة سياسية في المدينة، تكون عابرة للطوائف، وتستقطب أناسا من خلفيات مختلفة، ليواكبوا عمل النائب ويكونوا كذلك مشاركين في تقديم الطروحات".
ونحن في حملة بيروت تقاوم التي تضم عددا من التنظيمات الشبابية الموجودة في هذه المدينة، قادرون على تقديم هذا النموذج التشاركي، انطلاقا من تجارب ناجحة سابقة قدمناها في مختلف النقابات والجامعات، وطبعا مع الأخذ بعين الاعتبار التجارب السابقة التي أسس لها سابقا في بيروت على مستوى النضال سواء تجربة بيروت مدينتي في الانتخابات البلدية أو كلنا بيروت.
وبيروت التي غُيّبت لعقود عن صناعة القرار، فكان زعماؤها من يسقطونه على الناس، فيما الناس عن قرارها مقصيّون، صبّ المزاج الشعبي فيها لدولة المواطنة والحريات والعدالة الاجتماعية، لدولة تحمي الجميع، لدولة التنوع.
وأهالي بيروت حاسبوا من فجر مدينتهم وسرق ودائعهم وأغرق لياليهم بالشموع، ولم يحاسبوا بإسقطات سفارات او مال انتخابي، أو زعامات أو ولاءات بل حاسبوا بالمشروع!

وها هي بيروت اليوم تستعيد دورها السياسي، وتثبت من جديد أن "الثورة تولد من رحم الأحزان" واضعة التغيير في قالب وطني يهدف لاستقلال بلاد الأرز عن المحاور الخارجية والولاءات الطائفية، لتضخ هذا التغيير في صلب الحياة السياسية، وتكون مدماكاً نحو الدولة التي يعلو فيها الانتماء الوطني، ولا يُعلى عليه!

بحث

الأكثر قراءة