ألفاريز أند مارسال "تهدد" وسلامة "يماطل"... والتدقيق بحسابات المركزي وحده لا يكفي!

التحري | فتات عياد | Thursday, November 25, 2021 9:26:26 PM
فتات عياد


فتات عياد - التحري

بعد عام على انسحاب شركة التدقيق الجنائي "ألفاريز اند مرسال" من عقدها الذي وقعته مع الدولة اللبنانية إثر تعذّر حصولها على البيانات المطلوبة من مصرف لبنان للشروع بالتدقيق الجنائي في حساباته المالية، تعود الشركة لنغمة التهديد للسبب نفسه اليوم، متهمة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بحجب المعلومات المطلوبة للتوسع بالتدقيق، قبل أسابيع قليلة على انتهاء مدة تطبيق قانون رفع السرية المصرفية، ما قد يجعل عملية التدقيق الجنائي برمتها، في مهب الريح!

وقد رأس رئيس الجمهورية ميشال عون، اجتماعاً حضره وزير المالية يوسف خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وخُصّص للبحث في العقبات التي تواجه عمل ألفاريز ومارسال. في حين أصدر مصرف لبنان بياناً توضيحياً حول التدقيق الجنائي أمس، أكد فيه "المنحى الإيجابي في التعاطي مع الشركة"، قائلاً ان "مصرف لبنان يقوم حالياً بدارسة ملاحظاتها وتقديم الإيضاحات المطلوبة بغية تذليل أي عقبات قد تعترض قيام الشركة بمباشرة أعمالها".

وبعد "حردتها" الأولى، تم توقيع عقد مصالحة بين شركة ألفاريز ووزارة المالية، سمح بحصول الأخيرة على مبلغ 150 ألف دولار كتعويض عن إعاقة مصرف لبنان لعملها. ووسط التخوف من مصير التدقيق الجنائي اليوم، هل يعود لبنان إلى نقطة الصفر فتنسحب ألفاريز دون أي تقدم في التدقيق؟ وماذا عن أهمية هذا التدقيق لناحية تحديد الفجوة المالية في مصرف لبنان؟ وهل هو كاف لكشف النهب الحاصل بحق المال العام؟

مشهد ضبابي

والمصرف المركزي خصص مكتباً لألفاريز في وزارة المالية وأدرج في أجهزتها كل البيانات المطلوبة منه كما تقول بياناته، فيما ألفاريز تؤكد أن البيانات ما زالت ناقصة.

وفي حديث للتحري، يصف الخبير الاقتصادي باتريك مارديني المشهد بالضبابي، إذ "هناك ضبابية حول البيانات التي تقول ألفاريز أن المصرف يمتنع عن تزويدها بها، لناحية ما إذا كانت طلبات جديدة، أم أنها جزء من الطلبات نفسها التي كانت قد طالبت الشركة بها مراراً". من هنا "نحن نسأل، هل المصرف المركزي زوّد الشركة بالبيانات السابقة كاملة فطلبت بيانات جديدة نتيجة للتوسع في التدقيق الجنائي، أم أن المصرف منذ البداية لم يعطها كل البيانات المطلوبة؟".

وصحيح أن هذه النقطة "لم تتضح بعد"، لكن وعلى الرغم من تهديد ألفاريز بالانسحاب، يلحظ مارديني أن المصرف "أبدى تجاوباً في بيانه الأخير خلافاً للمرات السابقة حيث سبق أن قدّم مطالعة قانونية ليقول للشركة أنه لا يحق لها التدقيق بحساباته، وكانت المشهدية سابقاً عبارة عن إشكالات ومشاكل بين الطرفين، فيما يبدو أن التعاطي اليوم مختلف، وهناك نسبة من التعاون يبديها المركزي في بياناته".

لكنّ وقع البيانات وفحواها وحده غير كاف لبناء انطباع كامل حول نسبة تعاون المصرف المركزي مع شركة التدقيق. هنا، يقر مارديني بأنه "في النهاية من الصعب معرفة الجهة التي تكذب بين الطرفين، سيما وأننا لا نعرف حجم ولا كم ولا فحوى البيانات التي زود المصرف بها ألفاريز".

في السياق، يلفت إلى أنه "قد تكون لشركة التدقيق النية بتعطيل التدقيق بغية الحصول على تعويض" وذلك "على باب المستريح" كما في المرة الفائتة". في المقابل فإن "هدف التدقيق الجنائي هو البحث عن إثباتات ومستندات لتجريم المصرف المركزي، لاستخدامها لاحقاً كمستندات في المحكمة ضده، لارتكبات ومخالفات وأخطاء محتملة ارتكبها". ومن حيث المبدأ، فإن "مصرف لبنان يتعامل بخوف وحذر مع الموضوع، طالما أن التدقيق يبحث أولا وأخيراً عن أخطاء تدينه".
ومع هذا، لا نستطيع القول أن "الأمور عادت لنقطة الصفر" برأي مارديني، لأن المصرف هذه المرة "أعطى الجزء الأكبر من الداتا التي تريدها ألفاريز وبالتالي باتت بين يديها بيانات يمكن التدقيق والتوسع فيها". ما قد يمهد لإنقاذ التدقيق بهدف متابعته والتوسع فيه.

حجم الفجوة المالية

وعن الجزء المهم من التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، يلفت مارديني إلى أنه "يفترض أن يعطينا فكرة عن حجم الفجوة في مصرف لبنان، فعندما نعرفها، تستطيع الحكومة الانطلاق منها للتفاوض مع صندوق النقد الدولي بغية وضع سياسات لمواجهة تحديات الفجوة، واستخدام تلك السياسات في إعادة هيكلة المصارف".

والجدير ذكره، أن خطة التعافي المالي لحكومة الرئيس حسان دياب كانت قد حدّدت الفجوة المالية للمصرف المركزي بنحو 43.8 مليار دولار في نيسان 2020، وكانت تلك النسبة تقدر في ذلك الوقت 241 الف مليار ليرة لبنانية، فيما كان مصرف لبنان وجمعية المصارف يرجحون رقماً للفجوة لا يتعدى الـ 104 الاف مليار. فيما نجاح مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي، محكوم بتوحيد الحكومة لأرقام الخسائر المالية!

من جهة أخرى، فإن التعويل على أن التدقيق الجنائي في مصرف لبنان وحده سيشكل الانطلاقة نحو الإصلاحات المنشودة لن يكون كافياً. في الإطار، يشدد مارديني على أنه "لن يكشف التدقيق بحسابات مصرف لبنان كيف هدر المال العام، ولن يكون التدقيق وحده رادعاً لهدر المال العام في المستقبل"، فهذا التدقيق "ضروري" لكنه "غير كاف".
فالأهم برأي مارديني هو أن "يتوسع التدقيق ليطال الوزارات حيث جرت الصفقات العمومية، وهي مكمن الهدر والسرقة". وهذا "ما يهم صندوق النقد على مستوى الاصلاحات على وجه الخصوص، هو الذي يشدد على قانون الشراء العام الجديد لتفادي المزيد من الهدر".

فالأموال في لبنان هدرت في الوزارات من خلال الصفقات العمومية والمناقصات، ومعظم تلزيمات الدولة كانت بالتراضي وحصرت بمتعهدين مرتبطين بالسلطة حصلوا على الرشاوى، وكانت المناقصات ترسو على أرقام أعلى بكثير من كلفة المشاريع التي لزّمتها الدولة"، وهذا الفساد "لا يكتشف من خلال التدقيق بحسابات المصرف المركزي لأنه لم يحصل من خلاله ما يوجب التوسع بالتدقيق ليطال الوزارات كافة".

التدقيق.. شماعة؟

وصحيح أن مجلس النواب أقر التدقيق على أن يشمل جميع الوزارات ولا يقتصر على حسابات مصرف لبنان. لكن "ألفاريز حصرت مهمتها بالتدقيق بحسابات المصرف المركزي قبل أسابيع من انتهاء مدة قانون رفع السرية المصرفية، لأجل ذلك هي لن تصل لنتيجة لها علاقة بالفساد في لبنان وهدر أموال الدولة". فهي ستبقى "لا معلقة ولا مطلقة" و"شماعة" تستخدمها الطبقة الحاكمة لـ"البهورة" وتبرير نفسها أمام جماهيرها، يقول مارديني.

أما الإصلاح الذي يهم صندوق النقد اليوم، كرادع للسرقات مستقبلاً، فهو قانون الشراء العام الجديد، لكن مشكلته هي أن "الحكومة اللبنانية هي التي تعين اعضاء هيئة الشراء العام المفترض أن يقوموا بمراقبتها وهو أمر لن يمرره صندوق النقد الدولي، جراء تضارب المصالح".
في الإطار، يلفت مارديني إلى رئيس دائرة المناقصات جان العلية الذي "كان من المفترض أن يصبح رئيساً تلقائيا للهيئة وهو المشهود بنزاهته، وهو بات رئيسا مؤقتا لها ووضع بتصرف الحكومة، كأنها تقول له إذا لم تمرر لنا الصفقات التي نريدها"، سنقوم بـ"قبعك" من موقعك.

"من هنا يحصل الفساد في الدولة"، يقول مارديني، منوهاً لضرورة التوسع بالتدقيق الجنائي ليشمل الصفقات العمومية للكشف عن الفساد والأموال المهدورة في الماضي من جهة، وضرورة تعيين أفراد هيئة الشراء العام بشكل مستقل عن الحكومة، وتثبيت العلية في موقعه كرئيس للهيئة، وتحرير الهيئة من سلطة الحكومة عليها، لتفادي تضارب المصالح، وتفادي الاستمرار بنهج الفساد وسرقة المال العام في المستقبل.

بحث

الأكثر قراءة