تأويلات ما بعد كولونيالية "ايران" المبطنة في لبنان و"التعفف": الحجاب والعلاج النفسي في زمن الانهيار وعدم الرقابة نموذجاً

حقوق الناس | فتات عياد | Thursday, October 7, 2021 4:28:33 PM
فتات عياد


فتات عياد - التحري


ضجت مواقع التواصل الإجتماعي الأحد الفائت بتشخيص المعالج النفسي محمد حيدر لسبب قرار المرأة خلع الحجاب على أنه "اضطراب نفسي"، وحيدر لم يكتف بالتشخيص إذ راح يصف أدوية كـ"مثبتات المزاج" للنساء التي تقدم على قرار كهذا، طالباً منهنّ "التمهل" قبل اتخاذ القرار و"استشارة معالج"! وفي وقت تمكن موقع "التحري" من التواصل مع أحد أساتذة حيدر الجامعيين، الذي صُعق بما كتبه تلميذه السابق عبر فايسبوك، كان لا بدّ من فهم أعمق لهذه الواقعة، التي وإن سُخّفت بما يكفي على مواقع التواصل، لكنها دليل غير صحي على بعض ما يطفو على سطح مجال العلاج النفسي، فكيف بالعمق؟

مثال بسيط على الكولونيالية الإيرانية الجديدة لمجتمعنا اللبناني البعيد عن "الدعوشة" واستعباد الحرية والنتيجة "فعلة" حيدر، المعالج النفسي المثال الأعلى، الذي انطلق من معتقداته الشخصية في التشخيص، عوض الإعتكاف إلى العلم والمنطق. أما وجوده وغيره من صناع الرأي العلمي في مجال العلاج النفسي، يعني ربط القرارات الفردية بدرجة الإيمان بالأمراض النفسية، ما قد ينتج ادماناً على الأدوية، كلما شعر المرأ بنفسه "مبتعداً عن الدين". أمر بتنا نشهده في زمن الاحتلال المبطن المشار إليه عنواناً عريضاً ضمن الأيديولوجيات الغريبة التي يطرحها من يطلقون على أنفسهم صفة "النخب" تحت غطاء التجديد للنص النفسي بما يتناسب والمعتقد الشخصي "المتأثر بالمستورد السياسي" وفقاً لما يخدم سياسة "التوجه شرقاً"، إذ أن التوسع لن يجد له معارضاً إن بات جزءاً من الثقافة.

وبما أن القصة "ليست مزحة"، ما هي الأسباب التي دعت حيدر للسقوط في دائرة إسقاط هواجسه في مهنته؟ ثم أين هي المراقبة في مجال العلاج النفسي؟ سيما وأن اللبنانيين اليوم -بجزء كبير منهم- يعانون من مشاكل واضطرابات نفسية نتيجة صدمات متتالية من الانهيار الاقتصادي إلى تبعات انفجار مرفأ بيروت وجائحة كورونا والخوف من المستقبل المجهول؟


حيدر.... والذكورية!

"عندما تبادر البنت أو المرأة لخلع حجابها، فإنها في كثير من الأحيان قد تكون مصابة باضطراب الشخصية الحدية أو اضطراب ذو القطبين، حيث تكون في مرحلة الهوس أو تحت الهوس. وعليه ينصح بمراجعة الأخصائي أو الطبيب النفسي قبل المبادرة بتنفيذ القرار". بهذه "الخطورة" و"البساطة" في آن، عمّم حيدر الإصابة باضطراب نفسي مع اتخاذ المرأة قرار خلع الحجاب، وهو تحريض صريح يودي بالمرأة في دوامة التوهم بالإصابة بمرض نفسي، ويودي بعائلتها إلى السعي لعلاجها منه، وبالتالي ثنيها عن قرارها من جهة، ودخولها دوامة علاج نفسي نتيجة تشخيص خاطئ، من جهة ثانية!

والمصيبة لا تقف عند هذا الحدّ، فهناك عبارة أغفلت غالبية المتهكمين على تشخيص حيدر خطورتها، مع أنها أكثر عمقاً من خلع الحجاب كظاهرة واحدة بذاتها، وهي قوله "عندما تبادر المرأة لخلع حجابها" أو "ممارسة أي فعل لا يتوافق مع المعتقدات الجوهرية التي تربّت عليها"، فالأمر لا يقف عند القرارات الدينية بل يتعداها إلى أفعال تختلف عن "المعتقدات الجوهرية التي تربت عليها الفتاة"، مع العلم أن المعتقدات أمر متغير بتغير المجتمعات والعائلات والثقافات، لا بل أن بعض المشاكل النفسية تسببها معتقدات نشأ عليها البشر، فهل المطلوب عدم التحرر منها إلى مدى الحياة؟ وهل التمرد على معتقدات -متغيرة- بتغير الزمن والثقافات، أي التطور المجتمعي، بات مشكلة نفسية؟!
وتعرّف منظمة الصحة الاضطرابات عموماً بوجود مزيج من الأفكار والتصورات والعواطف والسلوكيات والعلاقات غير الطبيعية مع الآخرين. فأين السلوكيات "غير الطبيعية" بقرار فردي إرادي حر يقضي بخلع المرأة للحجاب؟ أما الوصفات الدينية المجردة من البعد العلمي، والتي يتبرع بها بعض جهابذة المعالجين النفسانيين -مجاناً- عبر مواقع التواصل، ويحصرون المرأة بنصائحهم تلك، لتبدو شهاداهم الجامعية ممزوجة بعقد وموروثات مجتمعية ذكورية، خانوا بتكريسها أمانة المهنة والقسم، فهي محط أسئلة، حملناها بأمانة لمعالجين نفسيين ضليعين في المهنة...

قرار شخصي

ووضع الحجاب هو قرار شخصي حر طالما أنه إرادي ولم يمارس بالإكراه، بل هو شأن ديني لا علاقة للطب به، وعادة ما يكون وضع الحجاب بالإكراه لا العكس. ووفق المعالجة النفسية نيكول هاني، يمر المريض عادة بتشخيص علمي دقيق لمعرفة ما إذا كان يعاني اضطرابات نفسية، أما القرارات الشخصية، فأسبابها قد تختلف من فرد إلى فرد، والتعميم أمر غير ذي منطق.

وفي اتصال مع التحري، يقول أحد الأساتذة الجامعيين لحيدر، خلال دراسته الجامعية، والذي رفض الكشف عن اسمه، "خضع لـ600 ساعة تدريب وكان كتير professional"، مستغرباً أن يصدر كلام كهذا عنه. كتير جدي بشغله والعلم شي والدين شي.
للموضوعية والحياد لفهم أعمق، أجرينا اتصالاً مع المعالجة النفسية حنان مطر، للوقوف عند قرار الحجاب وكيف يقرؤه علم النفس، وللوقوف عند خلفيات حيدر في تشخيصه، وما إذا كان حيدر حالة استثنائية...

و"يفرض بعض الأهل الحجاب على الفتيات في عمر صغير، وهي لا تستطيع تحديد موقفها منه حينها، سواء بوضعه أم لا، فيكون قرارها خاضعاً لسلطة الأب أو الأم، وفق أسلوب التربية المعتمد، وبعد أن تبلغ عمراً معيناً، تستمد القوة وتأخذ القرار وتواجه أهلها به"، تقول مطر.
و"المرأة أو الفتاة التي وصلت لمكان تمكنت فيه من اتخاذ هذا القرار، حظيت بالقوة إلى جانب مقدرتها على تحديد خيارها من الحجاب بوضوح، تماما كما تحدد اختصاصها الجامعي، إنها حرية فردية وهذا ليس معناه أنها مصابة باضطراب الشخصية، بل أنها حكّمت حريتها في قرارها وفق معتقداتها الآنية ووفق أي دين تريد وما إلى ذلك، لكننا لا نذهب نحو تشخيص قرارها على أنه اضطراب كما يشخّص بعض الذين يعطون اذن مزاولة مهنة لا أعرف من اين يأتون بها"، تضيف مطر.

الحياد

ومطر معالجة نفسية وأستاذة جامعية ترتدي الحجاب، في الإطار تقول "ارتدي الحجاب بإرادتي نعم، لكنني لا أمارس طقوسي الدينية مع طلابي في الجامعة، ولا خلال جلسات العلاج النفسي، والمريض الذي يأتي إليّ للخضوع لجلسة علاج نفسي، سواء كان يؤمن بعيسى او موسى او محمد، او ملحداً، اعمل معه وفق مبدئه هو، ولا يحق لي إدخال معتقداتي الدينية في الجلسة أو في تشخيصي أو في أسلوبي في العلاج. فالمعالج النفسي يفترض أن يكون محايداً وموضوعياً في أي شيء يفعله حفاظاً على صورته أمام هذا الشخص".

التطهير كضرورة حتمية

و"نحن كمعالجين نفسيين، بعضنا يفتقد للتطهير كمسار طويل يجب أن يخضع له المعالج قبل شروعه بالتعامل مع الحالات، فهو لديه عقد ويقوم بإسقاطها على الحالات قيد المعالجة، وللأسف فإن المعتقدات والموروثات متجذرة وعالقة في عقولنا أكثر حتى من الأفكار الدينية، وأي معالج يقحم معتقداته في تشخيصه هو نفسه يفتقد للمتابعة النفسية، ولم يخرج من معتقدات نشأ عليها فقام بالإسقاط على الفتاة التي اتخذت القرار بخلع الحجاب، وشخّصها على أنها مضطربة المزاج".

والتطهير، أو الـformation، قد يأخذ سنوات عدة، وهو يحصل عند معالج نفسي ومدرب نفسي في آن، لكن قانونياً "ليس معترفاً به" وهذه مشكلة، إذ أن عدم تطوير القوانين لتواكب الحداثة قد يخفف من المفاعيل الرقابية في هذه المهنة.
أما عن وصف حيدر "مثبتات المزاج" أونلاين كحل لقرار خلع الحجاب، وهي أدوية تدخل في صلب العلاج النفسي، فهو أمر بغاية الخطورة، في الإطار، تضيف مطر "يمكن للمتلقي أن يحتكم لهذه النصيحة دون استشارة طبية، سيما وان الكثيرين يلجئون للإستشارة المتاحة عبر مواقع التواصل، لتلافي الذهاب لعيادات العلاج النفسي، خوفاً من المجتمع، وهو أمر يجب أن نتصدى له بالتوعية".

من جهة أخرى، وكمعالجين نفسيين، لا يحق لنا أصلاً وصف الأدوية للمرضى، فهناك طبيب نفسي درس الطب العام 7 سنوات متواصلة، وهو المنوط بوصف الأدوية النفسية، أما نحن كمعالجين، فنتبّع بروتوكولاً حسب المدرسة التي ننتمي إليها، العلاج السلوكي المعرفي وغيره، لنعمل بشكل صحيح.
ومهمة المعالج النفسي ليست بالأمر السهل، فطبيب الصحة العامة مثلا يستند على فحوصات وصورة وتحاليل ويعطي على ضوئها العلاج، أما نحن فنعمل على فكر ومفاهيم ومحرمات منذ نشوء البشرية، نحن مرآة للمريض ودورنا تعديل هذه الأفكار له لكن على ألا نخلط شخصيتنا بشخصيته كأن نقول له "هذا يجوز" و "هذا لا يجوز!".

التسبب بالمرض

ومن يتناول أدوية كمثبتات المزاج، بسبب تشخيص خاطئ، قد يصاب حقيقة باضطراب نفسي بسبب الآثار الجانبية للدواء، ويدخل في تروما نفسية هو بغنى عنها. من هنا، تنصح مطار "بعدم الإعتكاف للتجارب الشخصية على مواقع التواصل، والتواصل مع معالج نفسي يمكن تكوين ثقة بينه وبين المريض"، وتطمئن إلى أن "عياداتنا لا سكريتير فيها وبالتالي هناك سرية تامة ونحن نحيط مرضانا بالأمان النفسي".

غياب الرقابة

وبما أن عدم اكتساب المعالج النفسي للثقة يزيد من المدمرات النفسية للمريض، تشير مطر إلى ضرورة تفعيل الرقابة في هذا المجال وتطويل القوانين، والتركيز على التطهير كآلية تجهز المعالج النفسي للعمل، "فمهنتنا إنسانية بالدرجة الأولى وكلما كنا حاضرين لها أكثر، أخذنا بيد مرضانا وأوصلناهم إلى بر الأمان".

ويأخذ إذن مزاولة المهنة من وزارة الصحة، ويخضع طلاب الجامعات الخاصة للكولوكيوم، وطلاب الجامعة اللبنانية يخضعون لفحوصات وجلسات تدريب، لكن مطر تشير هنا إلى أن "التطهير الذاتي قد يستغرق سنوات عدة، حتى عند المعالجين النفسيين لم يتعرضوا لصدمات في حياتهم". من هنا، "أنصح طلابي دوما بإعطاء التطهير مدته التي تستحق، فالعالم ليست حقل تجارب لنا، ولا نريد تخريج طلبى معقدين نفسيا بل اخصائيين نفسيين يساعدون الناس، كي لا تتفجر المشاكل النفسية للمعالج، بوجه مشاكل المريض"!
من هنا، تقول مطار "ما خفي كان أعظم" و"بيخوّف". سيما وأننا "كلنا بحاجة للعلاج من وقت لآخر، فهناك ظلم غير طبيعي في لبنان".

وهذا المقال لا يهدف للتخويف من العلاج النفسي، بل أن العكس هو الصحيح، ففي بلد باتت الصحة النفسية متردية جراء عوامل اجتماعية واقتصادية بعيدة المدى، لا بدّ من تفعيل الرقابة في هذا المجال، وتطوير برامج الصحة النفسية الرسمي منها وغير الرسمي، إذ أن الصحة النفسية لا تقل شأناً عن الصحة الجسدية، والمعالجون النفسيون قد يخطئون، كما الأطباء، لكن وجب التصويب!

بحث

الأكثر قراءة