لا يدخل "الشوف" مازوتاً مهرباً من إيران... غريفة ترفض الذل: لا للإرتهان للخارج!

حقوق الناس | | Tuesday, October 5, 2021 10:52:50 PM


فتات عياد - التحري

عندما حاصر الإسكندر المقدوني أهالي صور، ظنّ يومها أن القوة وحدها تكفي لفتح أسوار المدينة، فلم تنصفه خبرته العسكرية في فهم قيم أناس قاوموا للنفس الأخير، ففضلوا الموت بانتصار على العيش في هزيمة. ومع كل ما يمر فيه لبنان من إحباط، لكن اللبنانيين وفي عز انهيارهم، يحاولون رفض التأقلم مع قوى الأمر الواقع، وما أكثرها...

وقد يتراءى لمن يسمع عن حادثة بلدة غريفة في الشوف أمس، مع رفض الأهالي لاستقبال المازوت الإيراني، على الرغم من حاجتهم الماسة له لتشغيل بئر مياه البلدة، أن هذا الرفض يصب لمصلحة السيادة وحدها، لكن من يغوص في تفاصيل الحادث والمتسببين به، يحزن، فأهالي البلدة -بل جزء لا يستهان به منهم- يرفضون فرش "السجاد اللبناني"، لـ"المازوت العجمي"، عبر الوسيط اللبناني وئام وهاب. إلا أنهم في نفس الوقت، غير ممتنين لاستفادة الحزب الاشتراكي من الوضع، وفرضه النفوذ عبر تأمين البديل عن الدولة. ما يعني مقاومتهم لكارتيلات وحصارات لا تنتهي، تجعل حاجاتهم الأساسية تنازع بين "مالك" و"هالك" و"قباض الأرواح، في ظل غياب الدولة ومؤسساتها عن الصورة.

وفي تفاصيل ما حصل أمس، فقد أمنت إحدى الشخصيات التابعة لحزب التوحيد العربي، المقرب من حزب الله، مادّة المازوت لتشغيل محطة المياه في البلدة، عبر صهريج تابع لمحطة الأمانة -المنوطة بتوزيع المازوت الايراني في لبنان- والذي أفرغ حمولته في خزان المحطة، لكنه اصطدم عند عودته بشبان اشتراكيين اعترضوا طريقه، وشتموا حزب الله وأخبروه أنهم ليسوا بحاجة إلى مازوته الايراني...

بعدها أفرغ الشبان خزّان المحطة ليقوموا بتعبئة المازوت في غالونات، قاموا بإحراقها لاحقاً في ساحة البلدة وإضرام النيران فيها، هاتفين "ممنوع دخول المازوت الإيراني الإرهابي إلى البلدة"، ومضيفين "هذه هي أمانتكم تحترق"، في إشارة إلى محطات الأمانة.

دفع هذا التصرف بعض شبان البلدة من مناصري حزب التوحيد الممانع إلى افتعال إشكال مع الشبان السياديين، فقام شابّ من التوحيد بإطلاق النار تجاههم، قبل أن يطوق الجيش اللبناني المكان ويعمل على التهدئة.

لا بديل عن الدولة

وفي محاولة لضبط النفوس الرافضة للذل والاحتكام لسيطرة "ايران" المبطنة على اللبنانيين من باب "المساعدة"، اضطر حزب التوحيد العربي التعليق في بيان على ما حصل، بأنه "اذا كانت الناس لا تريد اخذ المازوت الايراني فنحن نخضع لرأي الناس ونحن لسنا الا وسيطاً لتأمين حاجات اهل القرى".

وفي غياب الدولة، يكثر الـ"وسطاء"، فيفتح الباب امام الكارتيلات والزعرنات والبلطجيات، لكن يبدو أن كارتيل النائب وليد جنبلاط -على الرغم من سطوته لعقود في الجبل- أكثر ترحيباً لدى الأهالي من مازوت إيران على قاعدة "أنا وخيي ع ابن عمي وأنا وابن عمي عالغريب"!

وفي وقت زايد فيه حزب التوحيد على الحزب الإشتراكي بقوله "كنا نتمنى على اي شخص يرفض كميات المازوت ان يؤمنها بطرقه الخاصة"، لم يكذّب الاشتراكي خبراً، فالطبيعة تكره الفراغ، إذ لبّى أحد الإشتراكيين الدعوة وعبّأ البئر برعاية النائب "اللبناني" تيمور جنبلاط على قاعدة "الكحل أحلى من العمى".

وترجم رفض المازوت الإيراني في بلدة غريفة لصالح صراع نفوذ القوى في الجبل، لكن هذا لا يعني انه مرحب بهذا المازوت على أرض الجبل. سيما وأن حزب الله يستحدث إضافة إلى أجنحته العسكرية والسياسية، جناحا اقتصاديا، بات يتمدد مناطقيا ويتجاوز حدود بيئته الشيعية، وليست المساعدات المقدمة لجرحى انفجار التليل في عكار إلا نموذجا فاقعا عن هذا التمدد. ودوما وفق قاعدة "الطبيعة تكره الفراغ" وسط غياب تيار المستقبل عن الساحة وتراجع نفوذه.

والهيمنة الاقتصادية للحزب إلى جانب الهيمنة العسكرية والسياسية، تهدف إلى الارتهان الكلي للمحور الإيراني في البلاد. ويدرك أهل الجبل خطورة هذا المخطط، من هنا، يعمل بعضهم وفق قاعدة "اللي بتعرفه أحسن من اللي بتتعرف عليه"، هم الذين لم يعرفوا حزب الله إلا عبر معركة 7 أيار، وبالتالي، لن يسمحوا بخروقات اقتصادية مهما ساء وضعهم، وسيظلون يقاومونها.

من جهة أخرى، فإن غياب الدولة عن المشهدية هو "البلاء الأعظم" وإذا كان مناصرو الاشتراكي يفضلون مازوت حزبهم على مازوت الأمانة، لكن هذا الواقع "الخدماتي" و"الزبائني" لا سيما قبل اشهر من الانتخابات، ويعد رفع الدعم عن المحروقات وبعد انهيار اقتصادي ساهم في اضمحلال الطبقة الوسطى، لا يزيد أهالي الجبل من فئة الثوار على الأحزاب التقليدية جميعها، إلا حاجة لمقومات الدولة، فالفراغ يولّد "مرتهنين" في دويلات، لا مواطنين في دولة!

بحث

الأكثر قراءة