أوصلت لبنان 3 مرات للعالمية... قصة اللبنانية كارولين شبطيني التي لم يأبه بإنجازاتها أحد!

التحري | | Friday, October 1, 2021 4:10:18 PM


فتات عياد - التحري

لا قيمة للطاقة البشرية في لبنان، ولا للأدمغة التي هُجِّرت لبلدان الإغتراب قسراً -والتي ينحصر الاهتمام بها بعائداتها المالية- ولا اكتراث حتى بمن يكافحون اليوم لإيصال اسم بلدهم للعالمية من بوابة الإبداع والتميز، فالمنظومة الحاكمة عدوة النجاح وصديقة الفشل. لكن صعوبات النجاح لا تبدأ باستهتار الدولة ولا تنتهي بتنمر المجتمع، ولعل قصة الشابة كارولين شبطيني تجسد الإصرار والعزيمة وحب الوطن في آن، هي التي حققت أرقاماً قياسية في كتاب غينيس 3 مرات في عام واحد، وها هي اليوم تخوض مشروعها الأكبر، لكنها لم تجد من يتبناه في لبنان.

وشبطيني التي بدأت بفكرة صناعة شجرة الميلاد من عبوات المياه البلاستيك، وفازت للمرة الأولى عن شجرة ميلاد بلدة شكا اللبنانية، لم تستطع التوقف عما بدأته، بعد أن أصبحت ملهمة للكثيرين، هي التي أبدعت بمشاريع صديقة للبيئة، فكانت رسالتها مزدوجة. ومن "شجرة الميلاد" إلى "هلال" رمضان إلى "علم لبنان"، إلى "الكرة الأرضية"، أحلام شبطيني "وسع الدني"، وهي مثال عن الحلم الذي يتحول إلى حقيقة، مهما اشتدّت الصعوبات.

الفكرة الأم

تصف شبطيني حياتها قبل شروعها بالخطوة الأولى نحو العالمية بالـ"عادية جداً"، فقد "كنتُ موظفة تعمل في محل لبيع النظارات، وكان كل شيء عادياً حتى أتت نقطة التحول التي غيرت مجرى حياتي، وذلك عندما قررت التخلص من البطن الممتلئ، فنصحتني الطبيبة بالإكثار من شرب المياه لإنقاص الوزن، ومع أن لديّ فوبيا من المياه، لكنني واجهت خوفي واتبعت النصيحة وشربت الكثير منها"، ليبرز تحدّ آخر بعدها وهو "ماذا أفعل بعبوات المياه البلاستيك الفارغة؟".

وفي حديث لـ"التحري" تروي شبطيني كيف راودتها الفكرة المبدئية، إذ "لم أشأ رمي عبوات المياه البلاستيك، فما كان مني إلا أن بدأت بتجميعها. كان ذلك عام 2018 ولم أكن ناشطة بيئية أو أي شيء من هذا القبيل حتى".

وأول صدمة "بيئية" أثارت استغرابها، كانت عدم التجاوب من قبل الشركات المولجة أخذ العبوات البلاستيكية، إذ لم تأت لتأخذ العبوات من شبطيني، لكنها بقيت مصرّة على عدم رميها، فما كان منها إلا أن بحثت عبر اليوتيوب عن أفكار لاستخدامها، لتتولد لديها الفكرة الأم، فصنعت شجرة لعيد الميلاد في منزلها من العبوات البلاستيكية، ولم تلق إعجاب الزوار وحسب، بل اقترحوا عليها صنع واحدة أكبر حجماً.

في هذه الأثناء، لم يكن لديها سوى 500 متابعاً عبر الانستغرام، لكنها انطلقت من هذا الرقم لتطلق حملة عبر صفحتها، عبر نشر صورة لعبوة المياه البلاستيكية، وإطلاق هاشتاغ بعنوان #جمعوها_ وما_تكبوها، ليلقى تفاعلاً كبيراً من قبل المواطنين، وتكتشف شبطيني أن اللبنانيين "مستعدون لتجميع العبوات عوض رميها". وهنا تعلّق "في أوج أزمة النفايات في لبنان، يتضح أن اللبنانيين لا يريدون رمي النفايات عشوائياً، سيما تلك القابلة لإعادة التدوير". إذ "بظرف 5 اشهر فقط جمّعت حوالي 100 ألف عبوة ووقتها لم يكن لديّ هدف محدد، كنت أجمعهم لأجد الفكرة لاحقاً".

شجرة الميلاد

وعبر محرك البحث العالمي "غوغل"، قامت شبطيني بالبحث عن أفكار للاستفادة من هذا الرقم المهول من العبوات البلاستيكية، فوقعت تحت نظرها شجرة الميلاد في مكسيكو، كأكبر شجرة بالعبوات البلاستيكية بطول 26 متراً، لتقول لنفسها "بإمكاني فعل مثلها وأجمل". ومع إدراكها للحاجة للأموال لتحقيق المشروع وبأنه "لن يعبّرني في لبنان أحد"، لكنها قررت الشروع بحلمها.

و"من بلدية لبلدية"، لم يعبّرها أحد، بل سمعت تعليقات ساخرة كـ "شو هالهبلة"، و"عم تلمي الزبالة شو بدك تعملي فيها!"، لكنها لم تتوقف عند "كلام الناس"، حتى وجدت أخيراً بلدية شكا التي وثقت بها، فكانت الراعي الرسمي لمشروعها، حيث صنعت شبطيني شجرة ميلاد من العبوات البلاستيكية بطول 28 متراً، لتدخل ولبنان كتاب غينيس عن هذه الفئة!

لكن الشعور بالنجاح لا يمكن كبحه، من هنا، وبعد فوزها، شعرت بحاجتها لعدم التوقف عن العمل، وحمّسها على ذلك المحيط والمتأثرون بتجربتها، كأن يقولوا لها "بليز بعد بدنا نعطيكي قناني، وين بدنا نروح فيهن!". لتسأل نفسها "إذا كنت أخدم البيئة في لبنان ولو بنسبة 10%، لا يمكنني التوقف عن هذه المساهمة".

وهنا تجدر الإشارة الى أنها لا تملك أموالاً لافتتاح جمعية تخصصها لتجميع البلاستيك، ولا الفوز في غينيس يدرّ على الفائز أموالاً، بل أن تعبئة الطلب تكلّف 1500 دولار، تكفلت بهم بلدية شكا في مشروعها الأول.

الهلال... "الإقصاء" المشترك!

في مشروعها الثاني، قررت شبطيني أن ترسّخ رسالة "العيش اللبناني المشترك"، فاختارت هذه المرة صنع هلال رمضاني من البلاستيك، وكان هذا خلال جائحة كورونا عام 2020 ولم تدعمها أي جهة، بما فيهم بلدية بلدتها مزيارة، حتى أنها استأجرت أرضاً خاصة لوضع الهلال فيها، واقتصر الزوار على المراسلين، حتى يظنّن أحد أنها "عاملة عيب"، مع أنها جمعت في فنها رموزاً دينية مجتمعية آتية من لبنان، لا من الصين!

في الإطار، تقول، "عندما صنعت شجرة الميلاد رأيت تفاعلاً لا مثيل له، فالناس أتوا لزيارتها من كل حدب وصوب، لكن إنجازي للهلال لم يلق زيارات لرؤيته لأنها لم تكن متاحة في البلدة، والناس اضطروا لرؤيته في الصور".

هكذا إذاً تحولت رسالة شبطيني من "العيش المشترك" إلى "الإقصاء المشترك"، ومن يطالبون بالفيديراليات في لبنان، فاتهم أنها متغلغلة فيه بدءاً من سلطته المركزية، وصولاً لبلدياته ونفوس الكثيرين فيه..

لكن ورغم اللامبالاة كجزاء على عملها، فخورة شبطيني أنها قادرة على العطاء فنياً، سيما وأنها هي نفسها لم تكن تعلم هذا الجانب عنها. وفي الإطار تقول "تجرّأ ان تحلم حتى لو لم يكن لديك أحد يدعمك". وهي سعيدة أنها باتت ملهمة لغيرها، لكنها حزينة في المقابل لناحية غياب الدعم على مستوى الدولة.

حتى أن "الإعلام الخليجي أضاء على صنعي للهلال، سيما وأنه أول هلال من مواد قابل للتدوير في العالم بقياس 300 متر مربع، وهي فئة جديدة أدخلتُها كتاب غينيس للأرقام القياسية. وكانت فكرة مميزة بالفعل، ومع هذا لم تلق صدى في لبنان"!
والعتب كبير جداً، فحتى زوجات الوزراء لم يهنأنني، مع أني أول امرأة عربية تدخل غينيس 3 مرات، وأستغرب حديثهم عن دعم المرأة، في حين أنهم لا يترجمونه أفعالاً.

الأجانب يكترثون... والدولة تمعن باستهتارها!

أما بعد انفجار مرفأ بيروت، فكان المشروع الثالث عبر إنجاز العلم اللبناني من مواد بلاستيكية، وأحد من الدولة لم يؤمّن لشبطيني باصاً على الأقل لتنقل به المواد البلاستيكية مع غلاء المحروقات في البلاد، فهي بالنهاية "عم تلم زبالة" وتخفف من حدة أزمة بيئية، إلا أنه "وللأمانة، فقد آمنت رئيسة الجمعية السيدة ريما فرنجية بحلمي، فدعمته عبر جمعية green community،" في المقابل، كان تشجيع الناس لها سبباً في تخطي مصاعب كثيرة، إذ "هناك عمل أضطر لتكراره، هناك الكثير من الصعوبات التي تواجهني في مشاريعي، لكن الإصرار كان ملازماً لي دائماً".

شبطيني لم تصيّف هذا العام، وهي الآن منكبة على مشروعها الجديد، وهو صنع أكبر كرة أرضية حديد بطول 10 أمتار، داخلها أكثر من مليون عبوة بلاستيكية وهذه رسالة للقول أن "الأرض مخنوقة من نفاياتنا".

وفوق هذه الكرة 50 علم دولة، كل دولة فيها عدد لا بأس به من المغتربين اللبنانيين، وهي الرسالة الثانية للمشروع. وكل علم بحجم 4 أمتار من البلاستيك، حولهم 5 لوغو لكل القطاع الصحي في العالم، كمنظمة الصحة، الصليب احمر، وكاريتاس. وهو عربون شكر لهذا القطاع سواء للأعباء التي تحملها خلال جائحة كورونا عالميا، أو لناحية وجوده في الصفوف الأولى بعد انفجار بيروت وغيرها من الأزمات العالمية.

العتب كبير... ولبنان في القلب!

دقت شبطيني أبواب الوزراء لتأمين 15 الف دولار قيمة بناء مشروع الكرة الأرضية، وهنا تسأل، "إذا كانت صعوبة الأوضاع في لبنان منعتهم من مساعدتي، لكن كم سائحاً كنت لأجلب لوزارتي السياحة والبيئة؟ كم شخصاً من هذه الـ50 دولة كان ليأتي لرؤية علم بلاده؟ لقد كان المبلغ ليردّ أضعاف الأضعاف، ولكن، لم تحتضن دولتي مشروعي، واحتضنته دولة افريقية"!

"لم يعبرني أحد"، تقول شبطيني، ونسألها عن وزير البيئة الجديد ناصر ياسين، لتقول "لا أعرفه لأعاتبه وتمويل مشروعي حصل قبل أشهر. ولم يعد من سبيل للتراجع فقد أعطيتهم وعداً، ومشروعي في طريقه للشحن.

في الإطار تقول "حاولت جاهدة ان يفوز لبنان بالجائزة، لكن كل الأبواب أوصدت بوجهي، وقبلت أخيراً بالعرض الافريقي، وهذا يعني ان هذا البلد هو الذي سيدخل كتاب غينيس وليس لبنان، لكن يعزيني دخول اسمي في المشروع، كلبنانية ترفع اسم بلادها عالياً!

بغصة تقول شبطيني "برا بيتمنو علينا وهون بيكحشونا"، وتضيف " سفير لبنان في الكويت هنأني على مشروعي الجديد، سفراء عرب أثنوا على عملي، السفير السعودي منحني يوبيل بلاده، لكن في لبنان لا كتاب شكر ولا مكالمة هاتفية عبّرت إنجازاتي!

الحلم... أصبح حقيقة

ستظل شبطيني تحلم ولن يمنعها عن حلمها أحد، وها هي نجاحات اللبنانيين تصل إلى كل أصقاع الأرض، لكنها لا تلقى لها تقديراً في بلدها الأم. ولعلّ أكبر نجاح جماعي للبنانيين، هو يوم يغيرون هذا الواقع، ليحتضن الوطن نجاحات أبنائه!

بحث

الأكثر قراءة