فضيحة في وزارة التربية: "استلشاق" يحرم طالبات لبنان من منحة وكالة الطاقة الذرية الممولة بالكامل بقيمة 40 ألف يورو لكل فائزة!

التحري | | Thursday, September 30, 2021 6:06:45 PM


فتات عياد - التحري

صدّق أو لا تصدّق، في بلد يستحق رؤساؤه جائزة "نوبل" للفشل، تُحرم طالبات لبنان من زمالة العالمة النووية ماري كوري، الحائزة مرتين على جائزة نوبل! وفي وقت بات فيه مستقبل التعليم في لبنان مهدداً مع اشتداد الأزمة الإقتصادية، تأتي فرص التعليم بـ"المجان" ويُحرم الطلاب الاستفادة منها. وآخر فصول "الإستلشاق" في وزارة التربية، تطيير هذه الفرصة المقدمة من وكالة الطاقة الذرية، بعد إعلان وزارة التربية عنها -قبل يوم واحد- فقط من انتهاء مهلة تقديم الطلبات!

وفي التفاصيل، فقد أعلنت وزارة التربية عن الترشيحات للزمالة الموجهة للطلبة النساء، عبر موقعها وصفحة الفايسبوك الخاصة بها في بيان صادر بتاريخ أمس 29، وموقّع من وزير التربية الجديد عباس الحلبي، في وقت تنتهي فيه مهلة الترشيحات اليوم، 30 أيلول عند الساعة 11:58 مساء بتوقيت فيينا.

والإعلان عن المنحة التي تصل قيمتها لحوالي 40 ألف يورو، قبل 24 ساعة من انتهاء مهلة التقديم، يجعل تعبئة الطالبات للطلبات شبه مستحيل، سواء لناحية تأمين شروط المنحة "في ليلة وضحاها"، أو لناحية مستوى انتشار الإعلان وإمكانية وصوله للطالبات التي تتوفر فيهنّ شروط التقديم!

واعتاد اللبنانيون على عدم احترام السياسيين لمهل الاستحقاقات السياسية وتطييرها، بسبب المحاصصة والكيديات، لكن كيف يُفهم تطيير المهل التربوية غير استهتار بمستقبل اللبنانيين العلمي بالحد الأدنى؟ ومع أنه "أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي"، لكنّ فضيحة الوزارة هذه المرة "بجلاجل" ويا ليت القصة انتهت عند إغفال المهلة!


الإعلان... شوائب بالشكل أيضاً!

وأعلنت وزارة التربية أمس أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ( IAEA ) في فيينا – النمسا، بدأت باستقبال طلبات الترشيح للمنح الدراسية الشاملة المقدمة لشابات يتم اختيارهن سنوياً لدراسة الماجستير في الاختصاصات التالية :العلوم والتكنولوجيا النووية، الأمان والأمن النوويين، عدم الانتشار النووي، الفيزياء والكيمياء النووية، الطب النووي، البيولوجيا الاشعاعية والسلامة النووية.
وصحيح أن الوكالة الذرية بدأت باستقبال الطلبات، لكن فات الوزارة أن باب الترشيحات فتح منذ 17 تموز الفائت، أي منذ حوالي شهر ونصف، وهي مدة كافية لتلبية شروط التقديم وتعبئة الطلب بسهولة، على عكس مدة الـ24 ساعة التي -حشرت- فيها الوزارة طالبات لبنان اللواتي تتوفر فيهن شروط المنحة، وبالتالي، قلّصت تلقائياً عدد المتقدمات اللبنانيات للمنحة، ليس لسبب سوى لتبليغهنّ قبل ساعات من إقفال باب الترشيحات!

هكذا إذاً، صعّبت الوزارة على الطالبات فرص فوزهن بالمنحة، بسبب عدم تمكن غالبيتهن من التقديم عليها في ساعات معدودة، وبالتالي، قلصت تلقائياً عدد المرشّحات، إذ أن أحد شروط المنحة تأمين رسالة توصية من إحدى الجامعات، عدا عن تعبئة الطلب المرفق على موقع الوكالة الذرية، وترجمة جميع المستندات باللغة الإنجليزية، وتأمين صورة شمسية بحجم محدد، وصورة عن الهوية أو إخراج قيد... وكلها أمور لا تنتهي في 24 ساعة، سيما إذا لم يكن مخططاً لإنجازها من قبل!

وفضيحة التأخر بالنشر، أضيفت إليها فضيحة طباعة البيان إلكترونياً، إذ لم تكتفِ الوزارة بنشر الإعلان متأخرة، بل ضمّنته أخطاءً في التواريخ على موقعها الإلكتروني! حيث نجد أن آخر موعد لقبول الطلبات هو ٣٠ أيلول ٢٠٢١، لكن، وفي رأس الصفحة، وتحديداً في المكان المخصص لكتابة مواعيد انتهاء المنح، نجد أن آخر مهلة للمنحة هي 29 أيلول، وهو ليس تاريخاً خاطئاً وحسب، بل التاريخ نفسه الذي صدر فيه البيان، ومع هذا، لم يتنبه لخطأ -مطبعي-بهذا الحجم في الوزارة أحد!

وهذا الخطأ الجسيم، ينجم عنه اعتقاد من يقرأ أول سطرين من البيان على الموقع الالكتروني للوزارة، أن باب الترشيحات قد أقفل، وأنه لا لزوم للإعلان عن المنحة أصلاً في اليوم نفسه لإقفال الترشيحات! وفي حال كانت المرشحة قد أمّنت الأوراق المطلوبة مسبقاً، أو قد يحالفها الحظ في تأمينها، لكنها قد لا تكمل القراءة أصلاً، ونسبة 50% على الأقلّ من القراء لم تكمل القراءة، فقط، لأن أحدهم أخطأ في كتابة تاريخ انقضاء المهلة، في المكان المخصص لكتابة مهل المنح على موقع الوزارة!

والقصة لا تنتهي عند المهلة وحسب، إذ تأتي الخطوة الثانية وهي تتبع المواقع الالكترونية المضمّنة في البيان، ولمعرفة كيفية تقديم الطلبات والشروط والمستندات المطلوبة، وعند محاولة الوصول إلى الموقع الخاص بالمنحة على موقع وكالة الطاقة الذرية www.iaea.org/MSCFP ،لن تصل الى شيء، وسيظهر أن "هناك خطأ ما"، لتكتشف بعدها انه اختصار للرابط أو hyperlink. إذ وبمجرد القيام بنسخه كما هو في البيان المنشور على موقع الوزارة خطياً، ستصل إلى الموقع الصحيح https://www.iaea.org/about/overview/gender-at-the-iaea/iaea-marie-sklodowska-curie-fellowship-programme/Information-for-applicants ،لكن ماذا يفعل من يرى المنشور عبر فايسبوك ويقوم بنسخ الرابط كما هو مكتوب في الصورة حيث لا نص مطبوعاً يمكن نسخه؟ حسناً ربما عليه البحث بنفسه، ريثما يجد الخبر الأصلي المطبوع على هيئة نص على موقع الوزارة، ودوماً ضمن مهلة الـ24 ساعة المتاحة!

والتحدي والتشويق مع الوزارة لا ينتهيان عند هذا الحد، فالآن حان وقت الوصول لـ"الدليل المرفق المدرج على موقع وزارة التربية والتعليم العالي لمعرفة آلية تقديم الطلب عبر الرابط ( www.mehe.gov.lb – ترشيحات ومنح ). ومن المرجح أن لا تصل لطلبك إلا بعد البحث عنه على موقع غوغل، ودوماً ضمن مهلة الـ24 ساعة، إنه ماراتون نحو المنحة، وليس مجرد طلب تقديم!

وهي "خبصات"، يتحمل مسؤوليتها عدة موظفين في الوزارة، مع تراتبية تبدأ بالوزير السابق طارق المجذوب الذي يبدو أنه وضع الإعلان عن المنحة في الدرج، ولا تنتهي بالموظفين الذين قاموا بإدخال البيان إلكترونياً مع خطأ في تحديد مهلة انتهاء التقديم على المنحة، ولا يبررها "الوقت الضائع" بين تسلم الوزير الجديد للوزارة عباس الحلبي من خلفه!
ومن يدير الإدارة العامة في لبنان، أشخاص لا دورات تدريبية تمكنهم، فيما تغيب المكننة وخطط تطوير وتفعيل الإدارة وكوادرها. من هنا، فإن هكذا "فضائح" تصبح نتائج طبيعية لواقع الحال، وبينما يُحكى فقط عن رفع للمعاشات مع التضخم في عدد موظفي القطاع العام والتوظيف العشوائي، فقد وصل العالم لاختراع "الذرّة"، ولم تُحلّ مسألة الإدارة العامة في لبنان!


السلطة تصفع الشعب: الخسارة تلو الخسارة!

وأهمية هذه المنح أنها تتيح الفرص للمرشحات اللواتي يقع عليهن الاختيار، متابعة فترة تدريب لمدة 12 شهراً تسهلها الوكالة الذرية في مجال دراستهن .ويقسم مبلغ المنحة بين حوالي 20 الف يورو للتعليم، و20 الف يورو للمعيشة.
ويهدف برنامج المنح الدراسية ماري سكلودوفسكا-كوري إلى المساعدة على زيادة عدد النساء في المجال النووي، بما يدعم قوى عاملة شاملة من الرجال والنساء الذين يسهمون في الابتكار العلمي والتكنولوجي العالمي ويقودونه. والطالبات اللواتي يقع الاختيار عليهن يحصلن على منح دراسية لبرامج الماجستير في جامعات معتمدة في دراسات تتعلق بالمجال النووي. ويحصلن أيضاً على فرصة متابعة فترة تدريب لمدة تصل إلى ١٢ شهراً.
وتُقدَّم المنح الدراسية سنوياً، مع اختيار ما يصل إلى ١٠٠ طالبة، وتتم مراعاة التنوع الجغرافي واللغوي. لكن وزارة التربية اللبنانية ارتأت "غربلة" المرشحات اللبنانيات، ودوماً باسم الفشل والكسل والإهمال، على حساب مستقبل طلاب الوطن!


سيناريوهات عدة

وأبرز السيناريوهات لتأخر الإعلان عن المنحة، هو وضعها في "جارور" الوزارة، سيما وأن الوزير السابق طارق المجذوب كان في حكومة تصريف أعمال، وإذا غابت المنحة عنه سهواً، فما ذنب الطلاب؟ وماذا عن فريق عمل الوزارة إذاً؟
أما أخبث السيناريوهات، فهو التأجيل المتعمد بغية حصر الفوز لطالبات بعينهنّ، لكن بما أنه لا يمكن الحكم على النوايا، ما يغلّب فرضية الإهمال، يبقى السؤال الأهم: من يعوّض هذه الخسارة؟ وهل من يتحمل أن يهز جيبه مثلاً باتجاه منح جامعية، كقصاص له على سهوته تلك؟

وهي منظومة فاسدة وفاشلة، لكنها أيضاً حاقدة على هذا الشعب، فهي "لا بترحم ولا بتخلي رحمة الله تنزل". فتتطيّر الفرص من درب شعبها. وإذا كانت وكالة الطاقة الذرية توجهت للطالبات بالقول "ساعدينا لاستخدام العلوم النووية للاستمرار بتحسين حياة الانسان حول العالم"، فإن المنظومة اللبنانية لا تريد تحسين حياة شعبها، لا على الأرض اللبنانية، ولا حتى في بقية أصقاع العالم!

بحث

الأكثر قراءة