في ذمة وزارتي الصحة والإعلام: الصحافي أحمد عثمان يصارع فقدان النظر بعد اشتباكات أمس!

أخبار مهمة | | Friday, July 16, 2021 11:36:31 PM


فتات عياد – التحري

للقمع في لبنان أوجه عديدة، متداخلة لا يمكن الفصل بينها، تطال الصّحافي ناقل الصورة أكثر مما تطال المواطن المقموع نفسه. "ماذا لو خسرتُ نظري"... يقاوم الإعلامي أحمد عثمان، رئيس تحرير وكالة "النهار الإخبارية" في ذمة وزارتي الصحة والإعلام احتمال فقدان البصر في عينه اليسرى. وذلك، بعد أن تعرض لإصابة بليغة في قرنية العين والشبكية بشكل يهدد مسيرته المهنيّة، إثر تغطيته لأحداث الجامعة العربية بين الجيش والمحتجين أمس. فمع تصاعد وتيرة الاحتجاجات في الشارع، واتخاذها طابعاً عنفياً على وقع الانهيار غير المسبوق الذي يشهده لبنان، كان للصحافيين على الأرض "تلتين القتلة"!

أصبح العمل الصحافي في لبنان ينطوي على كثير من المخاطر في ظل غياب تام لوزيرة الإعلام "لقراءة البيانات" ونقيب الصحافة "لتوزيع التهاني" عن الصورة. ولربما أسوأ ما في الإصابات التي يتعرض لها المراسلون أثناء نقلهم للحدث في الميدان اللبناني، أنها إصابات "متعمدة" بأغلبيتها الساحقة. وهذا بالفعل ما حصل مع عثمان، الذي لم تتوقف مأساته عند الإصابة وحدها، بل جرّت معها "معاملة سيئة" على مستوى الاستشفاء...!

إصابة... عن عمد!

يروي الصحافي أحمد عثمان، ما جرى معه أمس أثناء تغطيته كمراسل للأحداث عند محلة الكولا في بيروت، وتحديداً عند نقطة الاشتباك المتمثلة بمفرق الجامعة العربية، من كر وفر بين الجيش ومحتجين، إثر إعلان الرئيس سعد الحريري اعتذاره عن التكليف لتشكيل الحكومة.
إذ وأثناء تغطيته للإحتجاجات بالقرب من بنك الـFNB، بدأت المضايقات تأتيه من جانب المحتجين، الذين أمروه بتوجيه الكاميرا إلى الجيش حصراً، فما كان من عثمان إلا أن ذكّرهم بأنه "صحافي" و"لا علاقة لي بأي طرف ودوري هو نقل الحدث". هو الذي كان يلبس درعاً واقياً من الرصاص، وبالتالي، كانت مهنته لهم معروفة، لكن إجابته لم تثن المحتجين عن "عنفهم"، فردوا بتصويب حجر على قدمه في تلك اللحظة.

ولم يرتوِ غليلهم برمية حجر واحدة، إذ وبعدما غيّر عثمان تموضعه وأصبح أكثر قرباً من نقطة بنك FNB ، في مكان اعتبره "أكثر أماناً" له، حيث كان يتوسط مراسل الوكالة الفرنسية ومراسلة قناة الحرة، وكانت كاميرته تتجه إلى جسر الكولا، لعدسة أكثر شمولاً، أي أنها لم تكن مصوبة باتجاه المنزعجين من عدسة كاميرته، وبينما كان يعلّق على الأحداث أمام الكاميرا، أصابه حجر كبير إصابة مباشرة في عينه، ما استدعى سقوطه أرضاً ونقله إلى المستشفى فوراً.

المال قبل العلاج...

وبعد نقله إلى مستشفى المقاصد في بيروت، ونتيجةً لعدم وجود طبيب عيون فيها لحظة نقله، ونظراً لدقة حالته وحساسية موقع الإصابة، تم نقله إلى مستشفى الجامعة الأميركية.
وبعد عقبة عدم وجود طبيب في المقاصد، أتت عقبة التمويل. إذ وعلى الرغم من خطورة حالته، وبينما كانت عينه تنزف دماً، كانت إدارة المستشفى تنهال عليه بأسئلة من النوع الماديّ، لناحية ما إذا كان مضموناً على نفقة الدولة أو لديه تأمين.

وعثمان، البالغ من العمر 51 عاماً، غير مضمون، وكان عمره، وكذلك إصابته بالضغط والسكري، حواجز منعت عنه تلبية شروط شركات التأمين، ما جعله مجبراً على الاتصال في هذه اللحظة الحرجة بمكتب وزير الصحة حمد حسن، علّ الوزارة تقوم بتغطية نفقات دخوله إلى المستشفى.
وعوض أن يتم إدخاله إلى المستشفى دون قيد أو شرط، سُئل عثمان من قبل مكتب الوزير عن أسباب عدم شموله بالتأمين، ليذكّر المصاب المكتب بحالته الحرجة، وبأنه ينزف، طالباً منهم مساعدته لأن إصابته تندرج تحت فئة "إصابة حرب"، فجاءه الرد من المكتب أنها "إصابة عمل".

وهنا، يسأل عثمان، "لكن ماذا عن الرصاص الذي أطلق في الساحة يومها؟ ثم ماذا عن الحجارة؟". ويتابع تساؤله، إذا لم تكن هذه ساحة حرب، هل كانت ساحة "لعب ولاد؟!".
وبعد دقائق معدودة عاود مكتب الوزير الاتصال به، ليخبروه أن الوزارة ستساعده فقط في حال أعطى المستشفى إذن دخول. لكن إدارة المستشفى "كانت أذكى منا"، يستطرد عثمان إذ "أجروا لي العملية الجراحية في الطوارئ، ما يعني تلقائياً أن الدفع سيكون نقدياً دون أي مساعدة من جهة ضامنة".
وعثمان الذي لم يكن يبالي أثناءها بقيمة ما سيجبر لاحقاً على دفعه، ومع أن "الأطباء قاموا بواجبهم على أكمل وجه"، لكن بقيت في قلبه غصة لجهة "المعاملة السيئة لنا كصحفيين بعد تعرضنا لحوادث أثناء تغطيتنا في الميدان"، وإذ يشكو "اجراءات المستشفى"، يعقّب بالقول "هي أكبر من إجراءات، هي قانون يحكم هذا البلد!".

وبدأت مع إجراء عملية في عينه المصابة في طوارئ المستشفى، معاناة من نوع آخر، يتابع "توسلت الطبيبة أن تعطيني بنجاً عمومياً، لكنني بقيت لساعتين أتعرض لأبر بنج موضعي في عيني اليسرى، وكذلك لتقطيب داخلي وخارجي، وكنت أحتاج لبنج عمومي، أقله على الصعيد النفسي، لكن تعذر قبول إدخالي إلى المستشفى حال دون ذلك".
وعثمان الذي يكشف عن إصابات بالغة في قرنية عينه والشبكة، خرج من المستشفى فجراً مع زوجته، مغمض العينين، لكن عقله لم يكن مغمضاً عما حصل معه طيلة ذلك النهار. من هنا، قرر رفع الصوت على مستويين اثنين...

دون حماية

"نحن الصحافيون دون حماية"، يقول عثمان، إذ "هذه ليست الحادثة الأولى ولن تكون الأخيرة إذا لم نرفع الصوت عالياً".
وإذ يرى "بوجوب إدخال الصحافي تلقائياً إلى أقرب مستشفى عند إصابته خلال التغطيات الميدانية"، يناشد "وزارتي الصحة والإعلام القيام بتأمين معالجة فورية للصحافيين، تفادياً لمرورهم لتجارب مريرة مماثلة".
وعثمان الذي عانى في البحث عن أدوية لعينه اليوم، لبى زملاء له من الصحافيين النداء فساعدوه في تأمينها. ويعلق شاكراً بالقول "نحن عائلة واحدة".
لكن أضرار إصابته لم تتوقف عند خسارة جزء من قدرته على النظر وحسب، فهو متخوف من فقدان عمله، ويسأل "كم من الوقت سيتطلب مكوثي في المنزل؟"، سيما وأن القصة لم تنته هنا، إذ بعد ايام سيتم تشخيص حالته، ليتبين مدى الإصابة بعد زوال الورم، وما إذا كانت عينه بحاجة لمزيد من العمليات والمعالجة. ويعقب بالقول "إن شاء الله ما يصيبني اضرار اكتر من يللي انا فيها".

نعم للمحاسبة

ولا يطلب عثمان شيئاً تعجيزياً، إذ كل ما ينادي به هو "وضع حد للتعديات ومحاسبة كل من يعتدي علينا، كائناً من يكن".
وإذ يتمنى أن تكون مأساته عبرة لغيره من الصحافيين "ليعرفوا ألا أحد يؤمن لهم الحماية على الأرض"، و"اذا راحوا بتروح عليهم" و"اذا لم نكن يداً واحدة لنحاسب المجرمين والمعتدين على الصحافة في الشارع، فلن يردعهم أحد". يدعوهم "لوقفة واحدة تضامنية لوقف العنف بحقنا والتعامل معنا كمكسر عصا"، سيما وأننا "مقبلون على أيام أسوأ لناحية الفلتان الأمني"، "عسى بتضامننا نخفف من حدة المخاطر والمآسي التي تنتظرنا".

ويسأل "مم يخاف الذي يمنعنا من تصويره؟ ما العجيب في هويته ليخبئه؟ ولماذا تقوم القوى الأمنية من جهتها بضربنا وتكسير كاميراتنا عندما تقوم بصد المتظاهرين؟ ولماذا يأخذنا المتظاهرون في دربهم، وكذلك القوى الأمنية، فنأكل حجاراً وعصياً ولا من يعوض علينا على صعيد معداتنا، ولا حتى من يعوض على أهلنا في حال خسرنا أرواحنا؟ مشددا على أن "كل صحافي قد يتعرض أثناء التغطية لما تعرضت له اليوم، بل حتى لوضع أخطر".

من هنا، يطالب بخطوات عملية من قبل نقابة الصحافيين ووزارة الاعلام، إذ"هناك أولاد تضرب الناس في الشارع دون حسيب ولا رقيب، فكل شخص يحكم حارته بطريقته".
وعثمان الذي وصلت معاناته حدّ تمني الإصابة برصاصة في يده أو رجله، عوض تضرر عينه، يحمد "الرب أن الإصابة لم تأت في المخ فتقتلني".

وللمصادفة، فقد أزالت الحكومة العراقية اليوم النقاب عن هوية قاتل الصحافي هشام الهاشمي، في حين لم تعرف الدولة اللبنانية بعد هوية قاتلي صحافييها على مدى عقود، كسمير قصير وجبران تويني... ولقمان سليم!
وما يجمع الاغتيال السياسي المتعمد، بالإصابة الميدانية المتعمدة، هو غياب المحاسبة، ما يسهّل الاعتداء والتحريض على الصحافيين. وقد يرتدتي الصحافي درعاً رادعاً للرصاص. لكن من يردع القتلة؟


بحث

الأكثر قراءة