ما وراء الاستيقاظ الهستيري للحكومة في قضية حقوق المودعين: قضاة على لائحة الشرف ومحاولة فاشلة للتفاوض على تطبيق القانون!

التحري | مريم مجدولين اللحام | Wednesday, March 23, 2022 7:07:05 PM
مريم مجدولين اللحام


مريم مجدولين اللحام - التحري

لا تعكس سياسات وسلوك الحكومة اللبنانية مع المودعين، في سابقة إيفاد نائب رئيس الحكومة، سعادة الشامي، للجلوس مع ممثلين عنهم على طاولة نقاش للاستماع إليهم "احتراماً لقوانين النقد والتسليف"، ولا ترقى لمستوى اعتبارها "وساطة دفاعية عن المودع وحقوقه"، وإنما هي سياسة مُلتبسة ممتدّة لتثبيت الهيمنة المصرفية التي لا تتحمّل أي خطر يزعزعها أو حتى يحدّ من سلطتها.

وللأهداف الحكومية التي يُصوّرها إعلاميو-المنظومة كـ"مبادرة إيجابية للتوصل إلى اتفاق" والتي جعلت من نفس الحكومة التي تغض الأبصار عن سلسلة من التجاوزات منذ العامين ونصف العام متلهّفة للتوسّط ولعب دور "جورج قرداحي في المسامح كريم" بين الناهب والمنهوب... علاقة بمحاولتها التمركز في وضعية "المبادرة لاستيفاء أهم شروط صندوق النقد".

وعليه، إن محاولة الحكومة بممثلها نائب الرئيس، الوساطة بين أصحاب الحقوق والمصارف المتنصلة من الواجبات كطرف محايد لا مصلحة له، دون تقديم أي حل أو خطة فعلية تنطلق منها عملية التفاوض، يوهمها بشرعية كاذبة ومُضللة، تتيح لها محاولة التنصّل من المطلوب. لا بل، تحاول بهذا التصرّف التوصّل بطريقة أو بأخرى إلى إلغاء الحاجة الفعلية لعرض الموقف الحقيقي لأصحاب الحقوق في ملف المصارف، واختزال الكل بالجزء، وتبرير انحيازها إلى المصارف أو تطويع الطرف الأضعف ليخدم أجندة الأقوى.

حرب استباقية

وعمليا، في الوقت ذاته، تنفذ الحكومة ما طبقته ورسخته المصارف في مواجهتها للمودعين، وهو مبدأ "الحرب الاستباقية الإحباطية" المشنونة على المودع استباقاً أو إجهاضاً أو إحباطاً أو منعاً لأي تحرّك قضائي متين قد يشنه أصحاب الحقوق على المصارف أو وقاية منه. وهو ما أعطى، تجمع الألاف منهم تحت إطار رابطة، تأييداً ايجابياً كونهم سخّروا فريقاً من المحامين الأعضاء لتمكينهم من ممارسة حقهم الدستوري بالتقاضي ضد ثنائي المنظومة-والمصارف بطريقة تكسر احتكارهم للقوّة، في إطار الأمل أن تصدر أحكام قضائية مبرمة بإسم الشعب تنهي حقبة سيطرة القطب الواحد تحت "البلطجة السياسي-مصرفيّة".

فليس مسموحاً أن تتحدّاها أي رابطة حقوقية متماسكة كـ"رابطة المودعين" عند أكثر مراحل مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي دقّة. وليس مسموحاً أن يساهموا في توعية الشعب أنه يمكن للمودع أن يبيع أملاك المصرف، نعم، أملاك المصرف وليس أملاك الغير لدى المصرف، أو من يودع مال لدى المصرف، كما يحاول أبواق المصارف تضليل الرأي العام. ليس مسموحاً لـ"رابطة المودعين" تعبيد الطريق أمام المودع ومساعدته في التحضير لأول إجراء قضائي جماعي من المودعين ضد المصارف.

قضاة دخلوا التاريخ

في المنظور الاستراتيجي الحكومي خرقت رابطة المودعين معظم الخطوط الحمر بتجميعها أكبر عدد ممكن من أصحاب الحقوق المتحرّكين باتجاه استرجاعها. وقد تزامن ذلك مع "غربلة" مميزة للقضاة.

فلمعت القاضية أماني سلامة بين المطبقين للقوانين بحياد ودون انحياز، كذلك تألّق القاضي فيصل مكي بين المخلصين للنصوص القانونية، وزلزلت القاضية مريانا عناني الأرض تحت أقدام الجُناة، وأعادت القاضية لارا عبد الصمد ثقة الناس بالسلك القضائي وبرز اسم القاضية هالة نجا احقاقاً للحق... وغيرهم قضاة كُثُر، أصدروا قرارات قضائية مشرّفة بقضايا المودعين دون أن يكون لديهم مرجعية سياسية ودون أن ينتظروا توقيت سياسي، هؤلاء القضاة يجب أن نشدّ على يدهم عن بُعد، خاصةً كونهم مستقلين، ونحن نُحَيّي تطبيقهم للقانون رغم المنظومة المصرفية-السياسية المخيفة التي تقف في وجههم، والتضليل والتشهير الذي وقع بحق هؤلاء القضاة منذ ما قبل الحجز على أملاك فرنسبنك.

وعلى المقلب الآخر كان قضاة "العدالة الانتقائية المشروطة" يقفون بالمرصاد لرفاق لهم في المهنة أنصفوا المودعين بعدما خذلهم حكام البلد وسُلطاته النقدية والمصرفية، ولم يترددوا في تدوير زوايا القانون وإفراغ النص من روحه حماية لمصارف تخالف القوانين نصاً وروحاً.

الأبواق الإعلامية والحقوقية

ليس هذا الأمر جديداً تماماً، لكنّ الجديد هو صفاقة أبواق المصارف من الإعلاميين و"الحقوقيين" في التعبير عن مواقف غير أخلاقية، وكأنّها بديهيات، كالدفاع عمن هرّب أمواله على أنه "لم يُخالف الحق الدستوري بالمساواة أمام القانون" والترويج للمصارف على أنهم "بلا ذنب"... والدفاع الشرس غريب لدرجة أنهم لا يتحدون ولو للحظة عابرة ولاة التمويل الدعائي، فنراهم يحكمون على أمور الناس وفقاً لتعارضهم أو اتفاقهم مع الموقف الرسمي لجمعية المصارف وتكريس مقولة "من وين بتجيب المصارف مصاري؟".

كل ذلك، في وقت يرفض فيه المصرف تطبيق القانون ويهوّل ويبتز لدرجة أنه يتوعد بأنه لن يسّهل صرف رواتب القطاع العام أو الخاص والتي هي أموال لا يملكها. أي انه، يتوعّد بإرتكاب المزيد من الجرائم على مستوى أخطر - بحجة أنه ليس لديه القدرة على الدفع - وهو تصريح فيه الكثير من الاستغباء للناس، وفيه ما فيه من هجوم أحادي الجانب من قِبَل المصارف يحاولون به القضاء على تأثير إمكانية هجوم خصمهم (المودع) المحتمل، والحفاظ على ميزان القوى القائم و"بالمشبرح" إيقاف جميع الموديعين والكيانات المدافعة عن حقوقهم وعلى رأسهم "رابطة المودعين" عند حدّ ما، لما يشكلون من نقطة تحوّل من حالة اللاتوازن إلى حالة العلاقة الندّية-غير الخاضعة حيث تنص القاعدة الأولى على أنه "إذا كنت غير قادر على الدفع فلا يجب ان تعمل في القطاع المصرفي أو المالي لا بل تُطبق عليك كمصرف قوانين وجدت لحماية القطاع المصرفي من هكذا اساءات ومس بحقوق المودعين".

ووجود قانون في لبنان اليوم خاص بالمصارف وبتخلفها عن الدفع وإفلاسها هو لحماية المودعين وليس للإضرار بالقطاع المصرفي، وإلا لماذا يوجد هكذا قانون أصلاً؟

"الأرنب" وتسجيل النقاط

على ما يبدو، يظن موفد من "لجنة حماية حقوق المودعين" في "نقابة المحامين في بيروت" أنه يملك حق التفاوض باسم أكثر من مليون مودع في لبنان، في اللقاء مع ممثل الحكومة سعادة الشامي. وعليه يعتبر العديد من المودعين أن هكذا اجتماع لا يمثّلهم ولا هم وكّلوا لجنة في نقابة المحامين لمخاطبة الحكومة باسمهم. ومن هذا الواقع برز في الاعلام اليوم تحفظ صريح من رابطة المودعين عن الجنوح إلى لعب دور خطير كهذا. علماً أن رابطة المودعين تتمتع بأكبر تمثيل قانوني لمودعين بين جميع الكيانات المدافعة عن حقوقهم (نحو 5 آلاف مودع منتسب إليها) وعشرات الآلاف من الداعمين والمتابعين لنشراتها التوعوية.

وهو موقف يكرس مبدأ عدم التفاوض على تطبيق القانون.

بالمحصلة ومما لا شك فيه أن هناك من يتأثر بخطاب محاباة المصارف المرن المتزلف للمهندس المالي الرسمي رياض سلامة الذي يُغرِق الشاشات ويلوم لائحة الشرف من القضاة، ويصمّ الآذان في اللقاءات الحوارية، ويطل على اللبنانيين جميعاً بنَفَس لوم فريقٍ دون آخر والتمسّح بتحميل الدولة كامل المسؤولية (وهي تحمل جزء منها) وتناسي الأرباح الهائلة المتراكمة لتلك المصارف التي انطلقت من لبنان،-بلد الـ4 مليون مواطن- بلد الـ10452، إلى التوسع والتمدد في مختلف عواصم العالم.

كما لا جدال في أنه مهما حاول المتحدث الرسمي باسم الحكومة بلغة الحَمَل الوديع مرن الخطاب، والإدعاء بأنهم يثمنون الحوار البنّاء بين فريق المصارف وفريق المنهوبين، فإن أي كلام بعيد عن خطة لازارد المعدلة التي تؤسس للحل المالي، "لا يحلّ ولا يربط" ويضرّ بالمودعين ولا يخدم قضيتهم العادلة ويساهم في عملية خداع الرأي العام بخاصة أنه قد سبق لمجلس النواب أن نسف كل ما تحاول الحكومة اليوم تصويره من حياد مزيف.

بحث

الأكثر قراءة