جرذان الصحافة

قوى تغييرية | مريم مجدولين اللحام | Tuesday, October 12, 2021 7:38:13 PM
مريم مجدولين اللحام


مريم مجدولين اللحام - التحري
كاريكاتير وليد شهاب

أياد لا تُجيد غير المتاجرة بالكلمة الرديئة وتختبئ تحت مظلة سفارة أعجمية وسلاح يتبنى مهام القضاء على قوى التغيير. لا ندعو لمقاطعة أقلامهم المباعة سلفاً، ولا نعتبر أنه يجب أن تُصادر حقوقهم الفكرية المأجورة بقدر ما يتحتم علينا القيام برحلة سريعة مع إجرام وفساد وحصاد «مدعي المقاومة» في لبنان وخارجه خلال أكثر من 15 عاماً من الارتهان.

بهلواني هو، البدء بالحديث عند مرحلة قول الشعب «آخ» أي قراءة الرواية من فصلها الأخير. بل هو تجاهل للوقائع وازدراء للذات واستسخاف للعقول وتندّر وسخرية. إذ أن احتجاجات 17 تشرين لم تظهر من عبث: وهو أمر وافق عليه آمر الأقلام، وليّ نعمة «جرذان الصحافة» وسيّدها.
إفقار وفساد واغتيالات بالعشرات واستقواء وفوضى وهدر في المال العام ومحاصصات وصفقات بالتراضي وأخذ البلد رهينة لصالح الآمر الناهي الأكبر وملايين منهوبة وقضاء على القضاء... كل ذلك، و«المقاومة» تلك تشارك حيناً، تبادر حيناً، وأحياناً كثيرة تغض البصر.

بعد احتجاجات تشرين الأول، سارع «جرذان الصحافة» إلى اتهام الشعب المنهوب الذي صرخ «كفى» بالعمالة. ربما كان يجب أن يئن المواطن في المكان المخصص له للأنين، أي في مكاتب الكانتونات الحزبية، وعليه كل رئيس طائفة يهتم بإقصاء ناسه. يا للهول، اخترق المواطن بروتوكول القطيع! اعترض في الشارع «يا عيب الشوم يا بلا أدب» أهكذا تكافئون من يرمي لكم فُتات نهبه للمال العام؟... يا للعار يا «صيصان السفارات».
أما السفارات تلك، فهي تارة قوية تملئ ساحات عواصم لبنان الكبيرة وطوراً يصفونها بالضعيفة إذا تراجعت الحشود في الساحات ولا حول لها فيها ولا قوة. نكتة العصر.

والحقيقة أنه يومها خرج علينا وجه السلاح ليقول «لن تسقط المنظومة». خرج ليحمي التسوية «إياها» ويهدد الناس العُزّل. استثمر ألم الناس لصالح اتفاق مار مخايل، ولصالح «كلن يعني كلن» لاعتقاده بأن لحزب الله قدسية إلهية ما، لا يمكن المساس بها تردع المواطن عن المطالبة بحقه، بل تسكته فداء لله والوطن. أطلقوا شعارات «الصبر والبصيرة» و «الجهاد الزراعي والجهاد الصناعي» وفي ذلك ما يجعل الشعب طرفاً مباشراً في الحل، وهو السبب المباشر للفشل. إذا نجح في زراعة الشرفات وأسطح المباني، نتخطى الأزمة وإن لم يزرعها... انهار البلد!... (بس نحن مننهار؟ نحن ما مننهار)

وقف السلاح غير الشرعي سلاحاً حامياً للمافيا الفاسدة وظهر مفهوم «ثنائية المافيا-ميليشيا»... حمت «المقاومة» بقاء الفاسدين في الحكم وحاكت اللوم على الشماعة «الصهيو-أميركية» المعتادة. «فلتوا البلطجية» وتم اتهام الجميع بالعمالة وصار الليل عنوان لعصابات الشارع وأحرقت الخيم... تم افتعال المشاكل وتقنيص العيون واعتقال الناشطين وبالتوازي ظهرت المساعدات الإيرانية والمواد الرخيصة في المربعات الأمنية التابعة للثنائي الشيعي فقط.

أما «جرذان الصحافة»، فلعبوا خدمة للدفع المسبق، لعبة الوتر الطائفي عنوانها «احذروا يا طائفتنا هناك استهداف للمقاومة: وجودكم كشيعة بات مهدداً» وبذلك أفدى الحزب بنفسه حماية للمنظومة، ولعب دور الضحية المستهدف من خلال مقاومته المزعومة في سوريا والعراق واليمن... المقاومة التي لا تطأ أرض فلسطين ولا ترد على الخروقات الاسرائيلية اليومية في سماء لبنان، وترسل صواريخها إلى شويّا كي لا تصيب أماكن مأهولة في اسرائيل في محافظة على قواعد الاشتباك وبحسبهم «توازن الردع»!

مرّت الأسابيع، وامتصت استقالة سعد الحريري غضب الشارع، ثم اعلنت كورونا حربها على العالم أجمع، ليترأس الحلف الحاكم بين المافيا والميليشيا تشكيل حكومة تكنوسياسية من ألوانها الفاقعة بين أصفر وبرتقالي وأخضر وأحمر.. كانت الصدمة الأولى في تريث الأب الإيراني الأكبر الذي قرر أن اللحظة لم تحن بعد لفتح المجرور بشكل واضح وكامل.

فوجد الجرذان أنفسهم في حال انتظار لموعد الانتخابات الأميركية والإطاحة بترامب الذي بنظرهم يشكل رافعة ذاك الفتح المنشود. وعليه، التهوا بالتطبيل لحكومة دياب التي أنجزت كـالمطهر "ديتول" 97% من التزاماتها في أول 100 يوم "نظافة"... ومن فيها من شخصيات بوليوودية تحب النفاق والتصوير والإعلام وأهم رجالاتها (خلال العمل المباشر أو تصريف الإهمال) وزير الصحة الذي أدخل الأدوية الإيرانية بتوقيع سيادي منه إلى البلاد والآخر وزير الزراعة الذي مرت شحنات رمان المزاج خلال ولايته من مرفأ لبنان إلى الخليج مع شهادة منشأ لبناني تحت اشرافه... وبين العمل وتصريف العمل انفجرت العاصمة على رؤوس أبناءها، وسقط القناع عن الجميع دون استثناء، وعاد حزب الله ليرعى عودة سعد الحريري المرفوض من الشارع نفسه ليُكلّف بتشكيل الحكومة، ومن ثم نجيب ميقاتي وسط تخبط الناس بيومياتهم وأكلهم وشربهم ومازوتهم المُهرّب على الحدود.

حصل الكثير خلال عام 2020، و2021... انقشعت الرؤية.
من جهة صار المسؤول الوحيد بالنسبة لتلك المقاومة هو رياض سلامة وفي نفس الوقت، إن اموال الاحتياطي التي يضخها سلامة نفسه كانت الرئة التي تتنفس منها هذه المقاومة بتهريبها للمواد المدعومة. غريب؟!
حصل الكثير خلال عام 2020، و2021... انقشعت الرؤية.
انتبه الجرذان لانفضاض العرب من حول لبنان. لم يبق لحم ليُنهش. ولا دماء لتُمتص.

تصرّف الجرذان كما آمرهم في الخارج، بأنه لا يمكن مقايضة السلاح ببناء الدولة. ولا يمكن لدولة أن تقوم دون سطوة السلاح. وطبعاً، أرفق هؤلاء خطواتهم بتهميش للجيش، ليس لأنهم لا يثقون به، بل لأن وليّ نعمتهم قال لهم أن الجيش لاغ للطائفية السياسية التي يتغذون منها. ويقدر على كسر «ياءاتكم» و«هيهاتكم» و«هوانكم». أي مواجهة الدولة ككيان موجود لا تابع.

والمتابع للمشهد السياسي في لبنان، مع فرض استقدام المشتقات النفطية من إيران عبر حزب الله دون غيره وبيعه كالتجار بسعر لم يخضع للجمركة، غلب عليها هاجس تركيز مقاليد الحكم بيد الحزب وتعليق دور ادارات الدولة... ليطال اليوم قضاءها!... هؤلاء لا يهتمّون بمعالجة عملانية لمشكلات العتمة ونقص الخبز وتعطّل المصانع والمراكز الطبية، بل يهتمون بفائض القوة وتكريس معالم حكم فرداني... وغير ذلك بطيخ ببطيخ!

عملياً، تحمّلنا هؤلاء مدة طويلة حتى بات التعامل معهم كالتعامل مع جرذان الأحياء. هم جزء من صورة المدينة، من «الإيكو سيستم» من صورة الخير والشر... واليوم قد فقدوا الكثير من مصداقيتهم. الجرذان في حالة انقراض تكبر يوماً بعد يوم، لكن هناك... في المجارير... يبحثون بينهم عن الجرذ الأكثر تأثيراً في قلمه على الأبرياء من القراء أو المشاهدين. لا يهمّ إن كان وزير صدفة تافه يهين العروبة... أم كان اعلامي محل سخط الجمهور... أو حتى إن كانت فأرة تتوعد بقلمها قاضي التحقيق بشكل يومي «عالفاضي والمليان»... لا يهم إن كان كاتب لأبحاث أو بالكاد يقرأ... المهم أن الإغراء الشعبوي بمفهوم المقاومة يتقلص... الجمهور المتلقي غير متجانس، براغماتي متبدّل وانفعالاته وجدانية، تتغيّر بتغيّر الاعتبارات الذاتية والآتي أعظم... يا... جرذان السفارة الواحدة!

بحث

الأكثر قراءة