انتصار "النقابة تنتفض" الأعظم: كسر أعراف القيد الطائفي وتحطيم أسطورة "أكلونا"

قوى تغييرية | مريم مجدولين اللحام | Tuesday, July 20, 2021 10:43:13 PM
مريم مجدولين اللحام


مريم مجدولين اللحام – التحري

غضبٌ يُلتمَس في العشر الأواخر، فيما نترقب قدوم آب الشهداء، محملاً بدموية الذكرى وتَضَلُّعٍ الألم من جوارح الأهالي وعهود الدم في انكسار خواطرهم أمام قضية لم تُحل لا بخمسٍ ولا بسنة. ووسط ذاك الغضب وتشظّي الدولة وتدهور أساساتها "تابو" كُسر للمرة الأولى في نتائج انتخابات النقابة تنتفض. وصار للعلمانيين، فاصلي الدين عن الدولة، رجل يختصرون به ألم وطن. ذلك أنه قد صار البرنامج أهم من الطائفة، ولعارف ياسين مهمة "إثبات" عظيمة اليوم، وحرب متوقعة لإفشاله.

تميّز عارف ياسين بأنه يمثل "الكل" لا الشريحة التي يُفترض بالكوتا الطائفية أن يمثلها. هو نموذج ممتاز للبنان كما نحب أن نراه "خارج القيد الطائفي" للتمثيل، وخارج الكوتا المكررة خوفاً من هيمنة مجموعة على أخرى. وخارج المناطقية، أو التحازبات الضيقة في خوفنا اللبناني من الآخر المختلف. وانتصاره، انتصار لفكرة أنه يمكن لكفوءٍ أن يصل إلى موقع سلطة بغض النظر عن معتقده الديني. اليوم "كلن يعني كلن" كمهندسين، مُمثلين حُكماً بياسين، لا الشيعة فقط ولا السًّنة فقط ولا الموارنة فقط ولا الدروز فقط ولا اللادينيين فقط. باسم جميعهم، هو القائد.

كسر الـ"تابو"

تجاوز 5798 مهندساً من أصل 8734 مقترع مسألة "الطائفة" للمرة الأولى في تاريخ لبنان. وكسر 85% من أصوات المقترعين عُرف تبادل منصب نقيب المهندسين بين "بيروتي سني، أو بيروتي مسيحي". كُسر ذلك أمام "البرنامج" بحيث أحد لم يأبه كيف سيصلي ياسين لربّه دام سينفذ سلسلة من الوعود التي عرضها وناقشها وناظر فيها أمام الملأ في تجربة هي الأفضل حتى الساعة بين انتخابات النقابات المختلفة. وما ميّز ياسين عن غيره من المرشحين، أنه "شطب مذهبه" أملاً أن يُعامل كمواطن فاستطاع العبور بنقابة المهندسين إلى تجاوز الانتماء الطائفي والتعامل معه كما يُفترض التعامل معه "كمواطن مرشح لتمثيل الجميع لا الجزء المنصوص على ورقة اخراج القيد".

وفي تصريح له بعد فوزه اعتبر ياسين أن "اليوم اتسعت نقابة المهندسين لتصبح بحجم وطن، وكأن القهر والمعاناة قدر اللبنانيين وأكثر ما يدمي القلب ان الذين بيدهم مقاليد الحكم لا يعنيهم الامر". ولفت إلى ان "ولى زمن المعجزات وعلى عاتقنا جميعا ان نحمي وطننا فأهل البيت مهما كانوا مختلفين يلتجئون الى بيتهم ويحتمون بحضن امهم النقابة".

الحرب الضروس في بدايتها

مخطئ من يظن أن حملات التخوين التي أُطلقت على عارف ياسين ستتوقف بخاصة بعد أن هُزمت السلطة في ملعبها. فالهجوم الذي بدأ بتصميم صورة "فوتوشوب" يتوسط فيها ياسين لينين وماركس واتهامه بأنه "الشيعي الشيوعي" المُستتر خلف اليسار وممانع بالجوهر! ومن ثم اتهامه بأنه مرشح خديعة لـ"حزب الله" إلى حد اضطراره التوضيح علناً أنه يعتبر الأخير أقوى الأحزاب الفاسدة حُكماً ومن بعدها الصاق تهمة دعم "البلوك التجييري" الاشتراكي له والذي يُحصى بنحو 850 ناخباً، تلاها حملة الرسائل النصية الممنهجة والتي انتحلت صفة النقابة تنتفض طوال نهار الانتخابات، مرة لاتهامه بدعم التيار الوطني الحر له وأخرى لدفع المهندسين عدم التوجه إلى صندوق الاقتراع بذريعة الاقفال!

خوفاً من أن يصدق الشعب أن هنالك أشخاص عابرون للطوائف، ومن أن يصدق "الأتباع" قدرة خلع المواطن لعباءة الطائفة وعدم استحالة الرؤية المدنية العلمانية اللاإلغائية شهدنا "وساخة" لم تعهدها انتخابات سابقة بهذا "الوضوح"، واستشراس بالأكاذيب والألاعيب والمقالات لضرب عارف ياسين ولائحته. فوجود هكذا لائحة تتجاوز قوانين النظام الطائفي المبني على التحاصص والتسارق يُعرّي مشاكل هذا النظام الذي يختار "الدين المناسب" بدلاً عن "الرؤية المناسبة" أو "البرنامج المناسب" وحتما سيكون عثرة في طريقهم لبيع المنصب لرئيس الحزب وتصدير النقابة كمرتع للحزب الفائز وأتباعه الوصوليين.

أما اليوم وقد ربح ياسين، كمواطن بلا مذهب، ومرشح يحتفظ بدينه لنفسه وربّه، تبدو الحرب الضروس في بداياتها. فالمسؤوليات التي تداولت إليه ليست بسيطة بخاصة الآن، بعد 60 عاماً على تأسيس نقابة المهندسين ووقوفها أمام مفصل الإنهيار في جميع القطاعات ليس الهندسة فحسب.

البرنامج البرنامج البرنامج

وللمرة الأولى، تجاهلت الأكثرية نظرية "أكلونا" واغتالت الأصوات في الصناديق جلّادها أملاً بـ"البرنامج". الذي، كلّما وجهت لياسين سؤالاً شخصياً رد بيقين ثلاث "البرنامج البرنامج البرنامج" استصغر مناقبيته فيه، وجسّد نفسه رسولاً لتطبيقه فقط بعيداً عن الفردانية في الحكم والتجزيئية في الحقوق. فلا يهم متى ولد ياسين وكيف ترعرع، المهم نشاطه النقابي الذي بدأ عام 1990 و صار عضواً في لجان العمل لإصدار قانون تنظيم المهنة عام 1997 وبعدها منتخباً في مجلس المندوبين عام 1998 حتى انتخابه منذ أيام كنقيب للوطن.
وفي البرنامج وعود أبرزها دور أساسي تكون فيه النقابة خط الدفاع الأول عن المجتمع انطلاقاً من ترابطها به مشاكلاً وحلولاً. ومن ثم، محاولة تأمين فرص عمل في السوق المحلي عبر انشاء قريب لهيئة نقابية رقابية استشارية فعالة خالية من المحسوبيات متكونة من مهندسين ومهندسات مستقلين اختصاصيين خبراء وخريجي جامعات جدد يشمل دورها مراقبة وفرض تطبيق القوانين بما فيها تأمين الدعم الفني والتقني لكافة البلديات والحفاظ على السلامة العامة (وهو ما هو غائب بشكل تام حالياً). كما العمل على تفعيل "مركز التوجيه والإرشاد المهني" الذي تم إقراره عام 2019 ولم يتم تفعيله حتى الساعة.

أما لناحية مالية النقابة، يعد البرنامج الذي سينفذه ياسين بالحد من الهدر وتوظيف أموال النقابة التي تصل إلى 450 مليون دولار في مشاريع منتجة وتعاونيات زراعية وصناعية ومعلوماتية أو تعاونيات سكنية للمهندسين بعكس ما هي حالياً من أرقام دفترية لا حول لها ولا قيمة جراء توظيفها سابقاً ريعياً في البنوك. كما تنص رؤية النقابة تنتفض على معالجة التوظيف العشوائي وضبط عمل شركات التأمين ومعالجة ملف التقاعد.

بيئياً، سيتم الضغط لمنع المشاريع المضرة بالبيئة، وخلق حاضنة حول النقابة حول الشؤون البيئية وقيادة حملة وطنية حول الحق في بيئة سليمة. وفي التنظيم المدني، توجه للمطالبة بإنشاء وزارة للتخطيط تعنى بشؤون التخطيط والتنمية الشاملة والسكن السعي لتطوير وتطبيق الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية الحدّ من الهدر ومعالجة التوظيف العشوائي والسعي لتحديث قانون التنظيم المدني ليتبع مبدأ المشاركة والاستشارة العامة وتفعيل الدور الضاغط للنقيب في المجلس الأعلى للتنظيم المدني.

أما في البترول، يعد البرنامج إقرار سياسة نفط وطنية أساسها الملكية الحصرية للحق النفطي، وتأسيس شركة وطنية للنفط والغاز، وإنشاء الصندوق السيادي للنفط والغاز. وفي الكهرباء سيتم الضغط لإعادة تأهيل مؤسسة كهرباء لبنان واقتراح خطة سريعة لتأمين الغاز الطبيعي لإنتاج الكهرباء ورفض خطة الدولة لإنشاء ٣ محطات في بلد صغير مثل لبنان والاكتفاء بمحطة واحدة ، نكون بذلك قد وفرنا ما يقارب الملياري دولار والعمل على تخفيض هدر الطاقة الكهربائية. أما في المياه، سيتم تقديم اقتراحات للحدّ من الهدر، وتقديم اقتراحات لزيادة كميات المياه الجوفية والضغط لتنفيذ مشاريع معالجة الصرف الصحي واقتراح سياسة للحفاظ على المياه ناهيك عن نقاط خاصة بمرحلة "ما بعد تفجير 4 آب" حيث سيتم تفعيل توصيات "إعلان بيروت العمراني" والضغط نحو تعديل القانون 194 وانشاء خلية طوارئ. ولكل ما ورد، مقالات ستتابعها "التحري" مع النقيب مباشرة.

وبالمحصلة، منع تشابه صيرورة مؤسسات الدولة وحلم بلبنان علماني جدير بالثقة.



بحث

الأكثر قراءة