"أجار الطريق" يقضم 50% من رواتب اللبنانيين... وتعرفة استثنائية جديدة للسرفيس قريباً!

أخبار مهمة | | Friday, July 9, 2021 11:32:49 AM


فتات عياد - التحري

أكثر من 45 عاماً من عمله كـ"شوفير" تاكسي في بيروت، كوفئ بعدها العم أبو حسن بدعاء من راكب، قال له "روح الله لا يوفقك"، هو الذي ينظر بعين الترقّب إلى تعرفة جديدة للسرفيس تحدث عنها رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل البري في لبنان، بسام طليس، الذي كشف بدوره لـ"التحري" أنه سيعلُن عنها رسمياً الأسبوع المقبل، من ضمن "مرحلة انتقالية"، ريثما يتم إقرار البطاقة التمويلية ودعم السائقين العموميين.
وقد تطول "المرحلة الانتقالية" وقد تقصر، بانتظار تفعيل البطاقة التمويلية. وعلى بلوغ دولار السوق السوداء عتبة الـ 19 ألف ليرة، وعدم تعديل الحد الأدنى للأجور، بات "أجار الطريق" يقضم حوالي 50% من رواتب اللبنانيين الذين يستخدمون سيارات الأجرة.
فكيف تبدو الرحلة داخل سيارة النقل العمومي في عيون صاحبها وركابها؟ ومن هم "الركاب الجدد"؟ وماذا ستشمل مساعدات سائقي التاكسي؟

الركاب: "مش موفّاية"

لم ينتظر اللبنانيون نصيحة من الوزير ريمون غجر لركوب "الشي التاني"، إذ لا خيار لمن لا سيارة خاصة لديه إلا بركوب سيارات الأجرة والفانات والأوتوبيسات،في ظل غياب بنى تحتية لنقل مشترك يليق بالمواطنين ويسهل تحركاتهم.
تخرج سارة من منزلها كل يوم، تقف 20 دقيقة في الطريق وأكثر، محاولة اقناع سيارات الأجرة بـ"مشوار" إلى عملها، يقتنع أحدهم أخيراً، لتصعد الراكبة بعد أن "تضحك في عبّها"، فقد رضي بإيصالها للعمل بـ 35 ألف ليرة فقط! بعد أن كانت تدفع منذ ستة أشهر لقاء المشوار عينه، 10 آلاف ليرة!
"حاسة حالي عم بشحد توصيلة"، تقول سارة والقهر في عينيها، مضيفة "أدفع مبالغ طائلة لشوفير التاكسي، ولا أعترض على تسعيرته، ومع هذا لا أنجو من عبوسه في وجهي عند إيصالي إلى وجهتي، بعد أن يكون قد ملّ الزحمة في الطريق، وشكا لي انتظاره لساعات في محطة البنزين وكلفة الصفيحة، لأتمنى بعدها أن تنشق الأرض وتبتلعني"!
أما منير، فيضطر للتنقل بين الفانات والأوتوبيسات ويمشي قليلاً لتوفير كلفة النقل إلى عمله، ويقول بدوره "بعض الركاب يرفضون الانصياع لتسعيرة السائق، ويتحججون بعدم معرفتهم بها، أو بأن المشوار لا يستحق الكلفة المطلوبة، وحدي أنا أدفع من فم ساكت"، لكن "شحططة" الطرقات تنهكه، عدا عن تأخره بالوصول إلى عمله بسبب طوابير البنزين، حتى بات يكره لحظة خروجه من المنزل!
لم يطل "قرف" سامر من الوضع، لقد كانت كلفة الطريق المرتفعة عاملاً حاسماً لتركه عمله رغم حاجته له، إذ "لا جدوى من الراتب بعد أن صرتُ مضطراً للإستدانة للوصول إلى العمل".
وفي مقارنة للتصاعد المستمر لتسعيرة مكاتب التاكسي، تقول يمنى "كان المشوار قبل الأزمة يكلفني 7 آلاف ليرة، وفي بدايتها 10 آلاف، ثم 17 ألفاً، ليتدحرج خلال 4 أيام من 22 إلى 24 الفاً والحبل على الجرار". وتعلّق بالقول "ما عدت استرجي إسأل".
ويمنى التي تدفع تسعيرة التاكسي 3 أضعاف عن السابق، تنزل يومياً من الجبل إلى الساحل حيث عملها، وكان مصروف الطريق يشكل 35 % من راتبها، وأصبح يشكل اليوم 65 %، وتسأل "كيف أشتري حاجياتي؟ وهل أنا أعمل فقط كي أؤمن مصروف الطريق".

سائقو الأجرة "قرفنا وأكتر"!

أما سائقو الأجرة، فليسوا في وضع أفضل، ويبدو الذل وحده "مشتركاً" بين الراكب والسائق في مشوارهما "المشترك".
في الإطار، يقول العم أبو حسن، "قرفنا وأكثر". ويروي لـ"التحري"، يوميات سائق أجرة، فهو بات يستيقظ عند الخامسة فجراً، لينتظر دوره عند محطة الوقود، "حتى الله يفرجا". أما قمة القهر، فتتمثل بسماع عبارة "نفذ لدينا البنزين"، لتذهب ساعات الانتظار "كبّ"، ويبحث عن طابور ذل آخر، في محطة أخرى!

7000 ليرة هي التسعيرة التي يعتمدها العم أبو حسن، ومع أنه يراها قليلة أسوة بمعاناته الصباحية في طوابير الانتظار والذل، لكن بعض الركاب "بيعنطزوا ومش عاجبن". وهم إذ يدخلون معه في سجال في محاولة للاكتفاء بدفع 5000 ليرة، يأخذ عليهم أنهم "لا يقدّرون معاناتي لتأمين الوقود".
لكن العامل الحاسم في ارتفاع التسعيرة كان الزيادة في صفيحة البنزين. يقول أبو حسن، مضيفاً "اليوم استقرّت عند 80 ألف ليرة". وإذا كان معدل عدد الركاب اليومي بين 30-35 راكب للسائق الواحد، يسأل الشوفير العمومي "مع تسعيرة لا يتخطى ربحي اليومي الصافي فيها 30 ألف ليرة، كيف أستمر؟".

فغلاء صفيحة البنزين وصعوبة الحصول عليها تضاف إليهما كلفة صيانة السيارة. وعدا عن المبالغ المستحقة للضمان الاجتماعي، ويعدد أبو حسن بعضاً من تكاليف الصيانة، التي تخضع لدولار السوق السوداء بطبيعة الحال: "فغيار الزيت 4 مرات في الشهر يكلفني حوالي 300 الف ليرة، بينما تغيير الكوليه يكلفني 250 ألفاَ، وصيانة الدولاب حوالي 600 ألف ليرة، أما الدولاب باب أول فمليوني ليرة، فيما صيانة البطارية في حال تعطلها، فتكلف 800 ألف ليرة".
ويرى أن المصلحة باتت "تجليط بتجليط"، طالباً تخصيص 3 إلى 4 محطات في بيروت للسائقين العموميين. ويسأل "كيف يتمكن المواطن من الذهاب لعمله دون سيارة الأجرة؟"، و"ألم يلحظ بعد أنه بات ينتظر 15 دقيقة ليصادف سائق أجرة؟".
ويختم حديثه بالقول "بعد أن كنا نتشاجر على الراكب أصبح هو الذي يتشاجر علينا"، وشخصياً "عم بتمقطع بالركاب ع قد ما شفت منّن بالماضي"!

مكاتب التاكسي و"الزبائن الجدد"

لا ينكر أحد المسؤولين في أشهر مكاتب سيارات التاكسي في بيروت، "التململ الحاصل لدى سائقينا، لكن هذا العمل يعود عليهم بمردود مالي، لذا هم مستمرون رغم التذمر وتزايد متاعب المهنة أسوة ببقية القطاعات في ظل الأزمة".

والسائقون "تغير نمط عملهم إلى الأسوأ"، فهم "يعبئون 3 صفائح بنزين في اليوم الواحد أحياناً"، وإذا "لم تعبئ له المحطة صفيحة كاملة، يلجأ للمزيد من المشاوير للوقوف في طوابير البنزين".
أما تسعيرة النقل بدورها فارتفعت نتيجة عدة عوامل، آخرها ارتفاع صفيحة البنزين. وهي ارتفعت 50%، إذ "لا تستطيع الشركة الحصول على أرباح أقل من مصاريفها".
ولم ينخفض عدد زبائن المكتب على الرغم من الأزمة، سيما وأن "غالبية زبائننا دائمون، وهم يبحثون عن الخدمة الجيدة رغم ارتفاع كلفتها". لكن هذا لا يلغي أن هناك زبائن "يستنكرون رفع التكلفة".
ومصائب قوم عند قوم فوائد، في السياق، يكشف المتحدث باسم المكتب عمن أسماهم بـ"الزبائن الجدد"، وهم من "يمتلكون سيارات خاصة لكنهم "سئموا الانتظار في الطوابير!".

تعرفة "استثنائية"

نسأل رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل البري في لبنان، بسام طليس، عن جدية الحل الذي أعلن عن تفاصيله اليوم، والمتمثل بـ"دعم القطاع البري"، والذي أتى نتيجة اجتماع طليس برئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب. ليؤكد أنني "معروف بشفافيتي ولا أجلب كلاماً من عندي"، من هنا، "أصرّيتُ على أن يصدر الحل نتيجة اجتماع مع الرئيس دياب شخصياً".

ويكشف طليس أن "العمل جار على إصدار تعرفة جديدة للنقل الأسبوع القادم، نعلن عنها بحضور وزير الأشغال العامة"، ويشدد على أننا "سنرفع تعرفة النقل آخذين بعين الاعتبار ظروف السائقين والمواطنين في آن"، و"ليس كما هو حاصل الآن وحارة كل مين إيدو إلو"، مؤكدا أن "التعرفة استثنائية ريثما يبدأ دعم القطاع البري ونعود للتعرفة السابقة بعد تأمين الحصانة للسائق، وضمان عدم رمي كلفة تحصينه على المواطنين وحدهم".

وإذ يلفت إلى أن "هدفنا هو استمرارية القطاع لذا أتى حلنا استراتيجياً"، ينوه إلى أنه "كان بإمكاننا رفع التعرفة إلى 10 آلاف ليرة، ليصمد القرار اسبوعين على الأكثر"، لكن "إذا في ما راكب ما في شغل، ونحن لا نعمل بشعبوية".

تفاصيل الدعم

وكان دياب قد وافق على اقتراح طليس القاضي ب 3 شروط هي: اعتماد البطاقة التمويلية للسائقين أسوة ببقية اللبنانيين، تقديم مبلغ مقطوع لكل المركبات العاملة بالنقل البري بقيمة 500 ألف ليرة، كبدل صيانة، وتخصيص عدد من صفائح البنزين والمازوت للسيارات والشاحنات العمومية.

وفي التفاصيل، سيحصل شوفير السرفيس يومياً على صفيحة بنزين بسعر 40 ألف ليرة، وشوفير الفان الذي يقل عن 14 راكباً على صفيحة ونصف بـ40 ألفاً للصفيحة، وشوفير الأوتوبيس وكذلك الشاحنة العمومية التي تنقل المواد الغذائية للسوبرماركات على صفيحتي مازوت بسعر 30 ألف ليرة.

ويجزم طليس "هذا موضوع تم البت به وأعطيت التعليمات لتطبيقه"، فالقطاع "يقوم مقام الدولة في مجال النقل العام"، إذ "لو كان عندنا نقل مشترك من كان ليكون المسؤول عن ادارة مصروف وصيانة ومعاشات النقل المشترك؟"، مجيباً "الدولة بلا شك، وعليها تحمل جزء من المسؤولية، إذ ليس من العدل أن يدفع الراكب وحده هذه الكلفة سيما بعد رفع الدعم كلياً عن المحروقات وتعبئة صفيحة البنزين بـ200 ألف ليرة".

ويأخذ طليس في مقاربته عوامل عدة، "فالدولة لم تعدل رواتب موظفي القطاع العام ولا الخاص ولم تغير بدل النقل وكلفة المعيشة ارتفعت على جميع المواطنين بما فيهم السائقون، والناس التي تركب سيارات الأجرة تشبه سائقيها بظروفها المعيشية، فهؤلاء ليسوا لا اولاد وزراء ولا نواب ولا مصارف".

لا بديل

يدرك طليس أن لا بديل أو خيار آخر للمواطن في ظل غياب مقومات نقل عام مشترك، إلا الحاجة للنقل العام الحالي. وهو إذ يتمنى البدأ بمفاعيل البطاقة التمويلية سريعاً، يلفت إلى ان الرئيس دياب استمهل مدة شهر حتى بعد تفعيلها، للسير بسياسة دعم سائقي السيارات والشاحنات العمومية.

وبلغ مخزون البنزين في لبنان اليوم 35 مليون طن، في أدنى مستوياته، وسُجّلت زحمة سير خانقة. ورغم بروز بوادر حلحلة الأسبوع المقبل عبر فتح اعتمادات جديدة لاستيراد البنزين، إلا أن "مشوار" المعاناة مشترك على طرقات لبنان، وهو مشوار "مكلف"، تماماً كمشوارنا في جهنم، وهو "بَعدُه بأوّله"!


بحث

الأكثر قراءة