مازوت، لقاح، كراتين للبيع: عن سوق تيار المستقبل السوداء والزبائنية التي تتجدد ولا تفنى

حقوق الناس | مريم مجدولين اللحام | Thursday, July 29, 2021 11:19:50 PM
مريم مجدولين اللحام


مريم مجدولين اللحام - التحري

"إي كتّر خيره عم يعطينا"، جملة من المقصود أن تُزرع في حناجر ووجدان البيئة الحريرية المحبطة، علّها تترجم لاحقاً كأصوات في صناديق الاقتراع. وفيما يقول المثل البيروتي "طعمي التم بتستحي العين"، يحاول سعد الحريري حالياً إطعام عيون الناس أملاً بعودة "لعيونك، زيّ ما هي" عبر تأمين مازوت ولقاح وكراتين إعاشة. ليس ذلك بالأسلوب الجديد، إنما وفي ظل النكبة التي يعيشها الشعب اللبناني على جميع المستويات حالياً بات الوضع أكثر استشراساً وفعالية.

أما ما نحن بصدد تناوله اليوم تحديداً هو فشل سعد الحريري حتى بإدارة توزيعه لهذه المساعدات على صعيد تياره المناطقي المحدود، وأسلوب نهش المستقبليين لبعضهم البعض ولعطايا التيار على خطى جهاد العرب. امتصاص متواصل لدماء سعد، "الله يكون بعونه، وليس بعون البلد فقط" إذ كشف هيثم بشير التابع لجمعية بيروت للتنمية لـ"التحري" بالفيديو والصور عن فلتان موضوع توزيع مادة المازوت في منطقة عرمون و"مأسسة الفساد" بعيداً عن أنظار الحريري لصالح "شبيحة" يستحوذون على المساعدات المخصصة للناس!




"على أساس" 58 ألف!

وبعيداً عن تحول تيار المستقبل إلى محطة لتوزيع الوقود على الناخبين المحتملين، وعن فرض حصرية استفادة معينة، لأتباع معينين، بحسب هيثم بشير "أمر سعد الحريري بتوزيع "تنكة المازوت" بـ58 ألف ليرة ما هو سعر مدعوم، لا علم لنا من أين له به، إنما زمرة التوزيع "الزرقاء" ارتأت إضافة مبلغ 30 ألف ليرة لبنانية لصالح "جيوبهم" ومبلغ آخر "تشبيحة للتوصيل" إلى الناس بحيث تبقى أرخص بكثير من "السوق السوداء" ما خلق بدوره سوقاً موازياً لأصحاب البونات تنافس محطات الوقود نفسها". وبعيداً عن هذه الخوة المفروضة على مازوت يندرج تحت فئة "المساعدات" وعند وصول الشحنة الأولى منذ أيام إلى منطقة عرمون، تبين أنها ستوزع على الشكل التالي: "عمر عيتاني 500 ليتر، أحمد منصور 1000 ليتر، صائب العبد 500 ليتر" ولبشير حصة لأنه يدير مولداً للكهرباء"
أما المؤسف، أن أحد تلك الأسماء، لا يملك مولداً ولا يوزع على الناس كهرباءً و"حصته تشبيح بالكامل" تبعاً لمزاجية وليّ التوزيع. والأنكى هو أن ما تبقى من هذه التوزيعة "العرمونية" ذهب إلى منزل "سامر الترك" الخاص في منطقة أخرى وهو خارج لائحة التوزيع الأساسية الموصى بها. وذلك موثق في فيديو صوره بشير يظهر تعبئة 1500 ليتر من المازوت في خزان بلاستيكي لمنزل الترك خاص، وهو ما يتنافى مع قانون السلامة العامة. وهو ما أرسله بشير أيضاً لرئيس جمعية بيروت للتنمية السيد أحمد هاشمية المقرب من الحريري كي يعرف كيف أن "دود الخل منه وفيه" وأن "سوسة الفساد" بصحة ممتازة في مستنقع هؤلاء الذين يسيؤون أمانة الحريري ويتاجرون بمساعداته ويستغلون حاجة الناس ويستغفلون قادتهم. ويقول بشير "للأسف لا يجتمع اليوم حول هذا التيار إلا ضمائر بصلاحية منتهية عدا احمد هاشمية الذي تحرك فور اعلامه بالأمر للتحقيق والتحقق مما يحدث بخاصة أنه لا يقبل هذا المنهج الدائر"




تنظيف البيت؟!

ثم يتساءل بشير متى سيتم تنظيف البيت الداخلي لتيار المستقبل من هؤلاء "القراصنة" الذين لا يتركون فرصة للتجارة إلا ويقتضون عليها. ويحولون المساعدات الانسانية إلى مصدر ربح خاص بهم ومن ثم يشوهون سمعة أي شخص يواجههم بحقيقتهم وجرائمهم. فبعد تصويري وتوثيقي السرقة، وبعد أن بلغت الإدارة، بدأت حملات التشويه والتشهير والإهانة والقدح والذم بحقي على مجموعات واتسابية يديرها هؤلاء باسم تيار المستقبل! على اثر ذلك، اخبرتهم أنني سأدعي عليهم في القضاء اللبناني فقالوا لي "قم ذلك ان استطعت" مع سيل من الشتائم والتهكم" ويتابع "على أية حال، يؤسفني أن أصل إلى هكذا مستوى من التعاطي وكراماتي فوق كل اعتبار".

قد يكون من مقتضيات الإنصاف الإقرار بأن مشكلة النظام الغنائمي لتيار المستقبل لهو أكثر تعقيدًا بكثير مما يبدو عليه، في حديث كل من ترك تيار المستقبل وتتعدى فكرة سوء الإدارة. فالمشكلة هنا ليست فقط مشكلة مازوت وزبائنية وشراء ذمم انتخابية عبر تأمين الخدمات فقط بل هي مشكلة أخلاقية أولا، تنخر في جسد كل من ولاه سعد الحريري مسؤولية، وجميع الجسور الشعبية التي تربط بينه كزعيم مفترض وبين القاعدة الشعبية التي سئمت تبرير كل ذلك الإهمال والفساد والسرقة والاحتكار والتلاعب والتقصير والنهش والاستغلال والإهمال.

إذ يبدو أن الحريرية الحالية، لا يمكن تصورها خارج نطاق الاستغفال. فكم من "سامر الترك" اليوم قضم حق غيره لحسابه الشخصي ويساهم في ضمور هذا التيار. ومتى يستوعب الزعماء وعلى رأسهم الحريري أن "سياسات الاسترضاء" هذه وتوزيعات البونات وكراتين "دفى" و"أمل" وبطاقات "سجاد" ورحلات "باسيلية" التي يعتمدونها كأسلوب لسد الحاجة، لا تغير واقعاً مأساوياً ولا تبني وطناً أمام جيل شبابي صاعد مختلف ومغاير بل تصبح "الشحادة أسلوب حياة" والنيابة باب خدماتي لا تشريعي لا إصلاحي لا تغييري لا رقابي لا محاسباتي.

يغرف اليوم سعد الحريري حصة من "مازوت" الصالح العام الوطني لإيصاله إلى البيئة الخاصة ولا تصل! وعلى النقيض من ذلك، يحاول تسويق نفسه منقذاً لوطن كامل ويتضح من كل ذلك أنه ثمّة فروق واضحةٌ تماماً بين الخطاب والقدرة على التنفيذ. وهنا يأتي السؤال ليطرح نفسه، كيف لأي مواطن أن يعوّل على أداء قيادة ترسّخ أقدامها، وتثبّت جذورها في الفساد و"البلطجة"؟ وهل سيكون هناك من إعادة نظر في ديناميكية هذا التيار ليتلبّس طابعاً سياسياً مختلفاً عن كل ما سبق؟!

بحث

الأكثر قراءة